يتعرض كل من يمر بتجربة تخفيض الوزن لفترة يضيق فيها بالحرمان والضغوط التي يفرضها النظام الغذائي الذي يتبعه، مما قد يضطره للهروب من محاولة تنظيم الغذاء بل قد يكفر بكل أفكار الوزن الصحي والمثالي والرشاقة وغير ذلك.  وما يضايق كل من يحاول خفض وزنه باتباع انظمة غذائية محددة هو شعوره الدائم بعدم الرضا عن النفس، وعدم تقبل شكله، مما يدفعه الى السخرية من نفسه أمام الآخرين ربما قبل أن يسبقوه هم الى السخرية منه، ومع ذلك فانه لا يتقبل أية محاولة للسخرية من الآخرين، وهو لا يظهر هذا الرفض مباشرة، بل يقابله بابتسامة فاترة يعقبها فترات طويلة من الدموع والشعور بالأسى على انفراد وقد يصيبه هذا بالاكتئاب والعزلة.

وبعد فترة من التمرد على النظام الغذاء والزهق منه تبدأ مرحلة تأنيب الضمير التي قد تؤدي الى مزيد من الفشل في محاولة تنظيم الغذاء وفقد الوزن، فمن شعور بعدم القدرة على فعل شيء ايجابي لمشكلة الوزن الزائد، الى الاحساس بعدم الاستحقاق لنيل شرف الوصول لوزن مثالي، وتكون النتيجة مزيد من عقاب الذات بمزيد من الأكل مما يقود الى مزيد من السمنة، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة التي تقود حتما الى تفاقم المشكلة.

هدف صعب المنال:

وربما يكون السبب في هذا الشعور الدائم بعدم الرضا عن الانجاز في خفض الوزن هو التوقع المبالغ فيه من جانب الشخص الذي يبحث عن الرشاقة. حيث يكون الوزن الزائد موجود لفترة طويلة قد تكون مساوية لسنوات عمره، ولكن الهدف دائما يكون فقد الوزن في أقصر وقت ممكن، والعودة الى الوزن المثالي في أسابيع قليلة. اذن فالبداية يجب أن تكون في تحديد هدف ممكن الوصول اليه. وهنا تجدر الاشارة الى أن متوسط الوزن الذي يتوقع أن يفقده الشخص الذي يريد خفض وزنه هو نصف كيلو أسبوعيا حسب المعدلات الطبية العالمية المقبولة، مع عدم الوضع في الاعتبار الأرقام المبالغ فيها والتي تلجأ اليها الاعلانات التجارية، والتي قد تتبع أساليبا غير صحية في فقد الوزن مما يؤثر على الصحة اجمالا على المدي البعيد.

ضياع الهوية الغذائية:

والسبب الرئيسي الثاني الذي نعتقد أنه وراء الفشل في خطة فقد الوزن هو ضياع الهوية الغذائية للمجتمع العربي، بعد هوجة الطعام السريع وهجمة البطاطس المقلية والشيبس والمقرمشات وكل أنواع المشروبات الغازية السكرية والآيس كريم بأنواعه. وحتى عندما نفكر في أنظمة غذائية لا نجد أمامنا الا الترسانة العالمية المليئة بأسماء أجنبية مثل “أتكينز” و “أورنيش”، أو نصطدم بأنواع أغذية غير متداولة في بلادنا أو غير معروفة بالمرة مثل “الاسباراجاس” و “كرنب بروسل” وغير ذلك. معنى هذا أنه حتى محاولة اتباع نظام غذائي من هذه الأنظمة قد يقابل بعدم التعود أو عدم التذوق أو الاحساس بالحرمان. وهذا هو ما يحدث عندما يجلس من يريد فقد وزنه حسب هذه الأنظمة العالمية الى مائدة الطعام فيجد أهل بيته يأكلون الملوخية والباذنجان المخلل والمحشي، بينما هو قابع في ركن قصي مع طبق من الكوسة المسلوقة وأعواد “الاسباراجاس” التي لايشعر معها بألفة، بل تزيد من احساسه بالنبذ والدونية والحرمان.

ولنأخذ في مقالنا هذا نموذجا معروف للجميع وللكاتب بصفة خاصة وهو المطبخ المصري التقليدي. ودعونا نتساءل: هل مفردات المطبخ المصري غير صحية ؟ وهل الطعام المصري مسبب للسمنة والوزن الزائد ؟ قبل الاجابة على هذا السؤال أشير الى أن أكبر نسبة للسمنة في العالم موجودة في أمريكا حيث تصل الى 60 بالمائة من عدد السكان، وأيضا أشير الى أن نسبة السمنة في مصر لم تبدأ في الزيادة الملحوظة في كل الفئات العمرية الا بعد هجمة الأطعمة الأمريكية السريعة التي غزت بلادنا، وبدء عادات غذائية جديدة على مجتمعنا حيث الاعتماد على توصيل الوجبات السريعة للمنازل بديلا عن طهي الطعام في البيت، مع تبني أسلوب مكافأة الابناء على كل شيء بأنواع من الطعام والشراب والخروج لتناول الطعام في مطاعم الوجبات السريعة، مما أدي الى انتقال وباء السمنة من أمريكا ذاتها الى كل البلاد التي استوردت الأسلوب الأمريكي في تناول الطعام ومنها بلادنا العزيزة. وهناك حالة مثيرة تثبت المقولة السابقة، فقد قسم رسم الحدود بين أمريكا والمكسيك قبيلة من الهنود الحمر الى قسمين أحدهما في أمريكا والآخر في المكسيك. وبعد فترة زمنية طويلة وجدت دراسة علمية أن أعلى نسبة سمنة في العالم موجودة في النصف الأمريكي لهذه القبيلة، بينما تمتع النصف المكسيكي بمستويات عادية من الوزن، مما يثبت أن العامل الجيني وحده ليس العامل الأساسي في اكتساب السمنة، بل ان العامل البيئي والعادات الغذائية والحركية المكتسبة هي الأهم في التسبب في السمنة.

المطبخ المصري صحي

التاريخ والواقع يدللان على أن مفردات الطعام المصري صحية وغير مسببة للسمنة، وذلك مع استبعاد الافراط في استعمال السمن والزبد والزيت والدهون بصفة عامة الذي تتصف به الطبقات القادرة، وأيضا الافراط في استعمال السكر الذي تعتبره بعض الطبقات غير القادرة بديلا عن الفاكهة والحلوى وخصوصا في شرب الشاي الذي اعتاد الكثيرون على تناوله بكمية هائلة من السكر.

دعونا ننظر مثلا الى طعام معروف تقليديا في مصر وكثير من البلاد العربية مثل الملوخية المصنوعة من أوراق نباتية ومرق لحم أو دجاج، وثوم مقدوح مع مسحوق الكسبرة. ان أوراق نبات الملوخية لا تمثل أي خطر على الوزن، كما أن مرق اللحم أو الدجاج الذي ينزع عنه الدهن الذي يكون على الطبقة السطحية هو أيضا عنصر غذائي غير ضار بقضية الوزن، ويبقى بعد ذلك الثوم المقدوح الذي يمكن استبداله بالثوم النيء أو المقدوح في كمية قليلة من السمن ، وهكذا نجد أن الملوخية هي غذاء صحي بكل المقاييس. ويمكن أكلها مع كمية مقننة من الخبز البلدي ( نصف رغيف مثلا ) أو أربعة ملاعق من الأرز المسلوق فتكون هذه، مع السلاطة الخضراء وقطعة لحم مسلوق أو ربع دجاجة، وجبة غذائية صحية قبل أن تكون لذيذة وتصلح تماما لنظام غذائي لفقد الوزن يتميز بمصريته الخالصة.

والمحشي أيضا هو وجبة صحية تتكون من خضروات محشية بقليل من الأرز واللحم والخضرة مثل الشبت والمقدونس والكسبرة الخضراء، فقط علينا أن لا نبالغ في “تقوير” ثمرة الخضار مع زيادة كمية الخضرة في الحشوة، والتقليل من استعمال الأرز والدهون في اعداد هذه الوجبة.

ونظرة الى الباذنجان المخلل نجده طعاما صحيا مثاليا يتكون من نبات غني بالألياف المفيدة للأمعاء والأملاح والفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى، فقط يجب الاحتراس في استعمال الملح في اعداد هذا النوع الشهي من الطعام، والذي لا يضر بقضية الوصول الى الوزن الصحي.

وحتى وجبة الفول في الصباح مع خبز بلدي هي وجبة صحية وضرورية لكي يبدأ اليوم بمزيد من القوة والطاقة التي تمتد بالشبع حتى وقت الغذاء مما خلع على الفول بحق لقب مسمار البطن حيث لايشعر الانسان بالجوع بعد تناوله لفترة طويلة.

وفي الطعام المصري التقليدي نجد الاهتمام بأنواع الخضروات الطازجة التي تؤكل بدون طهي بجوار الوجبة الرئيسية مثل الجرجير والفجل والكرات أيام زمان، وأيضا البصل الأخضر وعيدان المقدونس وأوراقه وهذه كلها لها فائدة في خفض دهون الدم ومنع امتصاصه من الأمعاء، وأيضا لها دور هام في مساعدة الأمعاء الغليظة في اتمام عملية الهضم والتفريغ.

والوجبة المصرية التقليدية في الغذاء غالبا ما تتضمن الخضروات المطبوخة مع الطماطم والبصل والثوم واللحم، وتؤكل مع الأرز أو الخبز، وكلها بالطبع عناصر صحية مفيدة ومطلوبة للجسم حيث تحقق احتياجه من المواد النشوية والبروتين والدهون والفيتامينات والمعادن والألياف، وذلك طبعا قبل اجتياح قوائم الطعام المستوردة للمطبخ المصري مثل أنواع المكرونة بالكريمة والمعجنات المختلفة مثل البيتزا وطبعا الهمبورجر المختفي بين طبقتين من الخبز الأبيض الضار بالصحة.

هذه كلها أمثلة معدودة من أنواع أكثر وأكثر من الأطعمة المصرية التي يمكن أن يتناولها المرء بدون أن تتسبب في بدانته وبدانة أفراد أسرته، وذلك اتقاء للسمنة قبل محاولة علاجها بأنظمة غذائية تشعره بالحرمان في بيته، مما يؤدي به الى الانهيار وفقد الرغبة في اتباع أي نظام يقيد من حريته في العيش والحياة حسبما يريد.

ونذكر القارئات والقراء أن الاعتدال هو سمة مطلوبة ومحببة في كل شيء، ناهيك عن الاعتدال في اعداد الطعام من عناصره المختلفة، والاعتدال في تناوله، والاعتدال في الكميات التي يسمح الانسان بها لنفسه، حتي تتحقق معادلة الطاقة البسيطة وهي أن يأكل الانسان قدر ما يحرق من الطاقة حتي يستمر وزنه كما هو، أو أن يأكل أقل مما يحرق لكي يفقد وزنا، أو أن يأكل كما يريد اذا كانت رغبته أن يزيد وزنه ويصبح سمينا.. وهو الشيء الذي نعتقد أن أحدا لا يريده لنفسه أو لأسرته.

نموذج لطعام ريجيم مصري:

ونظرة الى نموذج من طعام من المطبخ المصري ينظم ويقنن تناول السعرات توضح أنه يحقق الاحتياجات الغذائية والسعرية للشخص الذي يريد أن يفقد وزنا، بدون احساس بالحرمان والتوتر المصاحب له، ويبلغ اجمالي السعرات الحرارية في هذا النموذج 1285 سعرا، وهو أقل من اجمالي السعرات التي ينفقها الانسان العادي ذو المجهود المتوسط الذي قد يصل الى 2500 أو أكثر حسب كتلة الجسم والجنس، واتباع هذا النموذج سوف يؤدي بالقطع الي خفض الوزن دون الاضرار بالصحة :

الافطار: (410 سعرا )

كوب شاي بحليب (50 سعرا )

4 ملاعق فول ( 210 سعرا ) (البدائل بيضتين 160 سعر) أو قطعة جبن أبيض

ملعقة زيت صغيرة (45 سعرا )

ربع رغيف بلدي ( 105 سعرا )

الغذاء : (745 سعرا )

طبق سلاطة خضراء نصف كيلو ( 105 سعرات )

8 ملاعق خضار مطبوخ (بامية مثلا ) (180 سعرا )

شريحة لحم 100 جرام (240 سعرا )

4 ملاعق أرز كبيرة أو نصف رغيف خبز بلدي (220 سعرا )

العشاء : (130 سعرا )

علبة زبادي ( 60 سعرا )

ربع كيلو بطيخ أو حبة فاكهة مثل برتقالة أو تفاحة ( 70 – 80 سعرا )

وأخيرا يبدو أن المخرج من الفشل في اتباع نظام غذائي لفقد الوزن، سواء بارتكاب ما يستدعي تأنيب الضمير، أو باتباع أنظمة غذائية غريبة عنا تزيد من مشاعر الحرمان لدينا، هو الالتزام بطعامنا المحلي الجميل بكل اعتدال، ونظرة الى أسلافنا في الماضي القريب ترينا أن أجسامهم لم تكن ممتلئة كما هي الآن.. فهل نعود للمطبخ المحلي ؟

طعام بلادك يحافظ على رشاقتك