كثر الحديث في هذه الأيام عن “الماكروبيوتيك” وكيف أنه وسيلة للحياة في صحة جسدية ونفسية طيبة. وكثر المتحدثون عن هذا “الماكروبيوتيك” دون أن يعرف الكثيرون أصل هذا الموضوع، وكيف بدأ، وماهي أساسياته. ان الماكروبيوتك هو نظام شامل للتغذية والتدريبات البدنية ، ورغم أنه قد يبدو علما حديثا فالحقيقة أنه نظام صحي قديم له جذور في علم التغذية الصيني القديم، ويسمى “علم الطعام الفعال أو النشيط”. وتعتمد ممارسة الماكروبيوتيك على أسلوب عملي لاعداد الوجبات الصحية، وممارسة التدريبات البدنية المنشطة، والتدليك الذاتي،  مع التأمل في وقت الراحة.

   

 والماكروبيوتك هو أسلوب حياتي ممتد طوال الوقت في التعامل مع الغذاء وتأثيره على الصحة البدنية للانسان، وأيضا على الحالة العاطفية والنفسية.

 

ولقد أدخل شخص يدعى “ميشيو كوشي” نظام الماكروبيوتيك الى مدينة نيويورك في فترة السبعينيات والثمانينيات، ونال هذا النظام شهرة عالية حتي أصبحت ممارسات الماكروبيوتيك معروفة بتاثيراتها البناءة على صحة المصابين بالسرطان. ومنذ ذلك الوقت عرفت الماكروبيوتيك بأنها تساعد ايضا كل المصابين بالأمراض المدمرة للصحة والمرتبطة بالحضارة الغربية. وحديثا، فان المصابين بالادمان والأمراض العقلية أيضا بدأوا في الافادة من تأثيرات هذا النظام الطبيعي والصحي لاعداد وطهي الطعام.

 

ولقد أختيرت كلمة “ماكروبيوتيك” في محاولة لايجاد تسمية مناسبة لهذا النوع العميق من الفهم للطبيعة. ان كلمة “ماكرو” تعني العظيم وكلمة “بيوتيك” تعني الحياة، والمعني الكامل للمعنى هو “الحياة العظيمة”. ويمكن فهم كلمة “ماكروبيوتيك” أيضا كطريق للصحة وطول العمر، وكتعبير عن الفن العظيم للحياة، أو الفن القديم للصحة. وعلى كل حال فان كلمة “ماكروبيوتيك” تعني ببساطة التعبير الحديث عن تأثير الطعام الصحي والمؤثرات الطبيعية الأخرى على الصحة. ولقد كان هذا الفهم المتميز للصحة هو أساس الطب الشرقي القديم في مختلف بقاع الشرق الأقصى حتي ظهرت الحضارة الغربية بتأثيراتها التكنولوجية المدمرة.

 

والماكروبيوتك هي ممارسة ذاتية، يركز فيها الممارس على نفسه، مستلهما حكمة هذا النظام الصحي في الحصول على الصحة النشطة، والصفاء الذهني، ولخلق الهدوء العاطفي. كما يستطيع الممارس أن يحسن من أدائه الرياضي، وأن يحافط على استقراره الاجتماعي، مما يحقق له البهجة والسعادة.

 

والماكروبيوتك المعروفة حاليا شبيهة الى حد بعيد بالممارسة القديمة لها، لأن اساسياتها تظل كما هي. وهذه الممارسة تختص بتناول النواحي المختلفة من تفكير، وتنفس، وحركة، وتغذية، ووعي روحي.

 

وجوهر اهتمام الماكروبيوتيك هو الطاقة وهي قوة الحياة في الكون، ويمكن رؤيتها في كل مكان في الطبيعة. ويسمونها في الصين “شي”، وفي اليابان “كي” و في الهند “براهنا”. والطاقة توصف في الغرب بأنها الشحنة الكهرومغناطيسية، أو الذبذبة، أو الطاقة الحيوية. ونحن ندرك هذه الطاقة بوضوح عند ظهورها في الحالتين المتقابلتين اللتين تسميان في الطب الصيني بالانبساط (الين) والانقباض (اليانج). ويمكن تمثيلهما في حالتي الساخن والبارد، النشاط والاسترخاء، والليل والنهار. والتعرف على هذه الطاقة  من حولنا وفي داخلنا سوف يساعدنا بالتأكيد على استعمالها بصورة طيبة.

 

وقوى الطاقة هذه بالرغم من تقابلها الا أنها متكاملة مثلما نرى في الجدول التالي :

 

الين  (الانبساط)

اليانج  (الانقباض)

البرد

الدفء

الأكبر

الأصغر

قرب القطبين

قرب خط الاستواء

الشتاء

الصيف

أقل حرارة

أكثر حرارة

أقل ملوحة

أكثر ملوحة

أقل ضغطا

أكثر ضغطا

أقل في الوقت

أكثر في الوقت

البوتاسيوم

الصوديوم

ما ينمو فوق الأرض

ما ينمو تحت الأرض

الحبوب الكاملة، الخضروات، فواكه المناطق المعتدلة

معظم الأسماك، نباتات البحر.

الفواكه الاستوائية، السكريات والكيماويات

الأملاح واللحوم

الأطعمة الطازجة والنيئة

الأطعمة المخبوزة والمطهية

مبدع في حالة استرخاء

في حالة تركيز

انسان ينسي ولا يستطيع استكمال مشروع

انسان متوتر وتحت ضغط

 

وفي علوم التغذية، فان هذه المعلومات تستعمل ايضا لكي نحدد أي نوع من الغذاء الكامل يجب أن يتوافر لتجهيز وجبة متوازنة بصورة صحية طيبة، فمثلا في جو الصيف الحار (يانج) يجب الموازنة بطعام خفيف، وفواكه وخضروات طازجة (ين). بينما في الشتاء البارد (ين)  يجب الطهي القوي واستعمال الفرن في اعداد الطعام (يانج). والنموذج الواضح في حياتنا العملية هو توافر وكثرة تناول الفواكه كثيرة الماء (ين) في جو الصيف الحار (يانج). والفواكه الاستوائية تساعد على اتساع مسام العرق في الجلد لكي يبرد الجسم. ولو تناولنا هذه الفاكهة (ين) في فصل الشتاء (ين) فان الانسان يشعر بتضاعف احساسه بالبرد (ين)، يتشابه مع هذا أن الناس الذين يعيشون في المناطق القطبية المتجمدة يأكلون في الأغلب أغذية حيوانية (يانج) لكي يشعروا بالدفء  والصلابة، فيما لو أن شخصا يسكن في منطقة حارة (يانج) ويتناول كثيرا من بروتين الحيوانات (يانج) فانه قد يجد نفسه متوترا ومنقبضا (يانج).

 

ومن هنا نخرج بنتيجة أنه اذا كان هناك شخص متوتر ويعاني من ضغوط (يانج) وغير قادر على الاسترخاء  ين)، فانه من المستحسن أن يأكل غذاء يعتمد على الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه (ين)، لكي يحصل على التوازن المطلوب، مع التقليل من الغذاء الغني باللحوم المملحة (يانج).

 

وفي حالة أخرى، اذا كان هناك انسان كثير النسيان (ين)، فانه يمكن أن يتوازن بأكل كثير من الخضروات ذات الجذور، وأيضا الحبوب الكاملة والأسماك (يانج) بدلا من السكر وعصائر الفواكه (ين).

 

وهذا الفهم ينطبق أيضا على التحديات الصحية التي يتعرض لها الانسان. فاذا استيقظ انسان في الصباح وهو يعاني من التهاب في الغدد اللمفية في الحلق (ين) فانه من المستحب أن يتناول شوربة الدجاج (يانج) بدلا من عصير الفاكهة (ين).

 

من هذه الأمثلة البسيطة يمكن لنا أن نفهم التأثيرات الغذائية المرتبطة بالطاقة، وكيف يمكن أن تلعب دورا هاما في الصحة والحيوية وأيضا السلوك.

 

ويمكن القول أن كل أنواع الغذاء هي اما انقباضية (يانج) أو انبساطية (ين) في تأثيراتها، والهدف هو معرفة مختلف تقسيمات الطاقة بالنسبة لأنواع الغذاء المختلفة، حتي يمكننا استعمال ذلك في دعم الصحة والحيوية. ومن ثم يقسم الغذاء حسب ما يلي :

  • 1. كيفية نمو الغذاء (بما في ذلك سرعة النمو واتجاهه).
  • 2. مكان نمو الغذاء (في أجواء شمالية أو جنوبية).
  • 3. محتوى الغذاء من الصوديوم والبوتاسيوم.
  • 4. تاثير الغذاء على الجسم.

وتقسيم الغذاء هو نسبي لأنواع الغذاء في المجموعات المختلفة، وفي نفس المجموعة ايضا. على سبيل المثال، ففي مجموعة المكسرات فان البندق البرازيلي أكثر انبساطا (ين) من البندق العادي، والحنطة السوداء أكثر انقباضا (يانج) من الشعير، كما أن البطيخ أكثر انبساطا (ين) من الفراولة.

 

والقائمة التالية ستعطينا فكرة أساسية عن التقسيم، مع ملاحظة أن الأغذية المختارة من منتصف القائمة (السمك وحتى فاكهة المناطق المعتدلة) مناسبة للانسان المقيم في المناطق المعتدلة ويتمتع بصحة جيدة. وللحفاظ على التوازن يجب أن يستعمل الطعام المذكور في أطراف القائمة بكميات قليلة جدا (مثل ملح البحر) أو تحاشيه تماما (الكيماويات والعقاقير).

 

أغذية تبدأ من أعلى بالأكثر تطرفا نحو الانبساط (الين) ثم تتجه تدريجيا الى أسفل حتى تصبح أكثر تطرفا نحو الانقباض (اليانج)

الغذاء المعرض للاشعاع، الكيماويات، والمواد الحافظة

العقاقير، ومعظم الأدوية، الكحول

السكريات البسيطة

التوابل، الشاي، الشوكولاتة، القهوة، الفواكه الاستوائية والعصائر

الدهون والزيوت

الخضروات مثل الطماطم، والبطاطس، والباذنجان، والفلفل.

منتجات الألبان

فواكه المناطق المعتدلة

 المكسرات

الخضروات ذات الأوراق

البسلة والفاصوليا

الخضروات الجذرية والبرية

النباتات البحرية

الحبوب الكاملة

الأسماك

الجبن المملح

اللحوم الحمراء والبيض

الكافيار

ملح البحار

أغذية من أسفل أكثر تطرفا نحو الانقباض (اليانج) ثم تتجه الى أعلى تدريجيا حتى تصبح أكثر تطرفا نحو الانبساط (الين)

 

أساسيات غذاء الماكروبيوتيك :

ان قوى الطبيعة تنتقل بين الأشياء المتقابلة، والنظرية التي تحكم هذا الانتقال تسمى ” نظرية العناصر الخمسة”، وهي نظرية قديمة تمتد الى خمسة آلاف سنة في الطب الشرقي. وهذه العناصر هى : النار، التراب، المعدن، الماء ، والشجر. ونستطيع تخيل هذه العناصر وهى تتحرك في اتجاه عقارب الساعة ابتداء من النار في موقع الساعة الثانية عشرة، والتراب عند الساعة الثانية، والمعدن عند الساعة الخامسة، والماء عند الساعة السابعة والشجر عند الساعة العاشرة. وهذه العناصر تساند بعضها البعض في اتجاه عقارب الساعة، وتتحكم في بعضها البعض. فمثلا الماء يطفيء النار، والنار تذيب المعدن، والمعدن يقطع الشجرة، والشجرة تفتت التراب، والتراب يمتص الماء.

وفي المجموعات التالية للعناصر الخمسة نجد بعض الأمثلة من الطعام والعناصر في كل مجموعة :

 

النار :

المذاق  : المرارة في الأغذية مثل الخضروات المرة والكرنب والبذور المحمصة.

الأعضاء : القلب والأمعاء الدقيقة.

الفصل/اللون : الصيف/ الأحمر.

اتجاه الطاقة : للخارج

طريقة الطهي : القلي مع التقليب، والشوي الجاف.

 

التراب :

المذاق : حلو

الغذاء : الكوسة، المحليات.

الأعضاء : المعدة والطحال والبنكرياس.

الفصل/اللون :الخريف المبكر / البرتقالي.

اتجاه الطاقة : للداخل.

طريقة الطهي : الغليان.

 

المعدن :

المذاق : لاذع

الطعام : الزنجبيل، الثوم، المسطردة، البصل الطازج.

الأعضاء : الرئة، الأمعاء الغليطة.

الفصل/ اللون : الخريف المتأخر / الأبيض.

اتجاه الطاقة : للداخل.

طريقة الطهي : اناء الضغط، الفرن.

 

الماء :

المذاق : مالح

الطعام : نباتات البحر، البقول

الأعضاء : الكلي والمثانة والأعضاء التناسلية.

الفصل/ اللون : الشتاء / الأزرق والأسود والبنفسجي الغامق.

اتجاه الطاقة : غير محدد

طريقة الطهي : التخليل

 

الشجر :

المذاق : حامض

الغذاء :الليمون والخل والخضروات الحامضة الطعم.

الأعضاء : الكبد والمرارة.

الفصل /اللون : الربيع /الأخضر.

اتجاه الطاقة : للأعلى.

طريقة الطهي : البخار

 

و أهمية المعلومات السابقة لنا في الطهي والحياة الصحية هو أن :

  • 1. كل المذاقات المذكورة موجودة في اللسان، فلو أن كل من هذه المذاقات موجود في وجبة واحدة فانها ستصبح وجبة طيبة ومفيدة.
  • 2. كل واحد من هذه المذاقات يؤثر على عضو مختلف من الجسم. لذا فان نوع غذاء من كل مجموعة يمكن أن يغذي كل أعضاء الجسم.
  • 3. في حالة احتياج عضو في الجسم للمساندة الصحية أو العلاج فان أكل نوع من الطعام من نفس مجموعة العضو الطلوب علاجه سيساعد في العلاج.
  • 4. هناك أنواع من الأغذية المساندة للأعضاء في نفس المجموعة، بينما هناك أنواع أخرى تضر أعضاء نفس المجموعة، مثال ذلك من الأنواع الضار : مجموعة النار يضرها السجائر، والتراب يضرها السكر الأبيض، والمعدن يضره مخبوزات الدقيق الأبيض، و الماء يضره الملح الغني باليود، والشجرة يضرها الكحول. ولنأخذ مثلا على ذلك، لو أن شخصا يعاني من الامساك (معدن – أمعاء غليظة) فيجب عليه ألا يأكل منتجات مصنوعة من الدقيق الأبيض. وعندما يريد شخصا ما أن يمتنع عن التدخين (نار) فان أكل أوراق خضراء ذات طعم يتسم بالمرارة سوف يساعد على ذلك. كما وأن الشخص الذي يعاني من مشاكل في سكر الدم والبنكرياس (تراب) عليه بالطبع أن يمتنع عن تناول السكر المكرر.

وهذه هي بعض أنواع الأغذية مقسمة حسب المذاق :

المذاق المر : الخضروات المورقة، البروكلي، البقدونس، الكرنب الصغير، الشيكوريا، الخردل، الخيار.

المذاق الحلو : الخضروات ذات اللون الأصفر والبرتقالي مثل الجزر والكوسة والذرة الحلوة والبطاطا والبنجر.

المذاق اللاذع : الزنجبيل، الثوم، المسطردة، الفجل الأحمر والأبيض، البصل والكرات والجرجير.

المذاق المالح : ملح البحار، ونباتات البحار.

الطعم الحامض : الخل، المخللات، الليمون.

 

الماكروبيوتيك.. عندما يعيد الغذاء التوازن الى حياتك