نظرت الي نفسها في المرآة. يعني.. قالت في سرها.. دارت حول نفسها وهي ترمق المرآة بطرف العين.. شعرت ببعض الرضا.. سارعت الى درح مكتبها وأخرجت قالبا ضخما من الشوكولاتة.. راحت تقضمه ثم تمضغه بتلذذ واضح.. نظرت اليه نظرة مشتهية.. ثم قضمت مرة أخرى.. وأغمضت عينيها وراحت في حالة من النشوة واللذة.. انتهت من التهام القالب.. احتواها شعور هائل بالذنب مع تأنيب الضمير..
نهضت ببطء.. اتجهت الى الحمام.. لفت نظرها صورتها في مرآة الحوض.. كانت بادية البؤس..  أغلقت باب الحمام حتى لا يسمعها أحد.. وضعت أصبعها السبابة في حلقها.. ثم.. بعدما انتهت من هذه المهمة الشاقة نظرت مرة أخرى الى المرآة.. هالها اصفرار وجهها.. فيما امتلأت عينيها بالدموع.. وتنافرت خصل شعرها التي اختلطت بالعرق.. كانت ضربات قلبها تتسارع، وعضلات جسدها كله شبه منهارة.. تعاني في لحظات كثيرة من تقلصات في عضلاتها.. أخبرتها صديقتها طالبة الطب أن ذلك بسبب نقص البوتاسيوم نتيجة القيء وارتفاع نسبة قلوية الدم.. هي لا تفهم كثيرا في الأمور الطبية.. لكنها عرفت أن القيء المتكرر بعد تناول أنواع الطعام الذي تحبه هو السبب في هذه التقلصات.. اقتربت أكثر من المرآة فلاحظت أن أسنانها متآكلة أيضا.. هي تعرف أن سائل المعدة الذي يخرج أثناء القيء حامضي وهو يسبب تآكل الأسنان كما يتآكل سطح الرخام من حامض الليمون.. شعرت بالضيق من فكرة أنها ستخسر أسنانها ثم استمرت في ممارسة عادة القيء بعد الأكل. راحت تفكر في الأمر.. هي تمارس هذه العادة الرزيلة من أكل كل ما تشتهيه نفسها بدون ضوابط أو سيطرة على النفس ثم تتقيأ ما أكلته حتي لا يزيد وزنها منذ كانت في المرحلة الثانوية.. هي الآن في الجامعة .. حاولت أن تريح نفسها بفكرة أن الأميرة ديانا نفسها كانت تفعل ذات الشيء.. لكنها شعرت بانقباض عندما تذكرت نهاية الأميرة المحزنة.. تنتابها فترات من الاكتئاب وعدم الرضا عن النفس.. حتي وزنها لا يثبت على حال.. مرات يزيد.. ثم تفقد بعض الكيلوجرامات لكي يعاود الزيادة..  لماذا  تمارس هذه التصرفات ؟ انها تبحث عن الكمال في كل شيء.. في دراستها.. في ثقافتها.. في كل نواحي حياتها.. لكنها ضعيفة الارادة أمام مغريات الطعام.. كان الحل في الماضي سهلا.. تأكل كل ماتريد ثم تتخلص منه بسرعة حتى لا يؤثر على وزنها ورشاقتها.. الآن تشعر بالاشمئزاز من رائحة القيء.. ومن منظر أسنانها المتآكلة.. عندما استشارت الطبيب طمأنها بأن هذه الحالة قابلة للسيطرة، وانها يجب أن تتعرف على أسباب المشكلة، كما انه سيضع لها علاجا سلوكيا فعالا لعلاج الحالة التي لن تحتاج لأدوية.. ونصحها بأن تعتدل في أكلها، وان لا تحرم نفسها من أية أنواع من الغذاء، فقط أن تراقب الكميات، وأن تكثر من أكل الخضروات والفاكهة.. نصحها أيضا بممارسة الرياضة وأن تنفتح على صديقاتها وعلى الدنيا بنشاط وفرح وحيوية تتناسب مع عمرها. السطور السابقة كانت وصفا لمرض “البوليميا” حيث يشعر المريض أنه لا يستطيع أن يتعامل مع مشاعره والضغوط الواقعة عليه، ويرغب في عقاب نفسه على شيء يشعر – بدون مبرر – أنه يلام عليه. وهكذا يأكل المريض بنهم ثم يفرغ جوفه مما أكل سواء بالقيء أو بالملينات، لكي يتجنب أو يفرغ الشعور بالغضب والاكتئاب والضغوط والقلق. ويكون المصاب بالمرض على علم بحجم المشكلة التي يعيشها حيث يعاني من دورات متعاقبة من الشراهة، ثم احساس هائل بالذنب، ثم افراغ ما تم التهامه. وهو شعور بعدم القدرة على السيطرة على سلوكيات تناول الطعام، وعادة ما يدخل المريض في دوامة تنظيم الغذاء وممارسة الرياضة وسوء استخدام المليات ومدرات البول وأقراص التخسيس، مع القلق الدائم على شكل الجسم.  ومريض البوليميا – بعكس مريض فقدان الشهية العصبي – يكون لديه هذا التتابع في الأحداث أكل شره ثم تفريغ. وقد يكون التفريغ عن طريق الملينات أو التقيؤ أو ممارسة الرياضة بطريقة قهرية مثل العدو العنيف والأيروبكس، في محاولة لحرق السعرات التي التهمها، أو بمحاولة عدم الأكل نهائيا في اليوم التالي للأكل الشره. وقد تصبح أقراص التخسيس هي وسيلة تعامل المريض مع حالته، أو استعمال مدرات البول كمحاولة لخفض الوزن.

 

البوليميا .. كل ما تريد وادفع فيما بعد