كثر الكلام عن الطب البديل في السنوات الأخيرة، وبدأ البحث عن العلاج خارج عيادات الأطباء، وأخذ الكثيرون يدلون بدلوهم في أمور الطب والعلاج حتى أصبحنا نرى من لم يدرس الطب على الاطلاق وربما لم تتعد علاقته به الا تداويه وخضوعه للعلاج وهو يفتي في أمور الطب ويطلق على نفسه ألقاب الخبير والعالم والدكتور. ولقد بدأت أفكار مختلفة للعلاج في الظهور والانتشار بعضها حقيقي وفعال، وبعضها ارتدي رداء السحر والشعوذة، بينما تراوح البعض الآخر بين العلم الحقيقي والخرافات. 

   

طرح العلاج بالابر الصينية نفسه على الساحة بعد زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون للصين، وأصيب واحد من أفراد الوفد الصحفي المرافق بالتهاب حاد في الزائدة الدودية، وعولج بالجراحة بعد تخديره بالابر الصينية، وبعدها عرف العالم مدي التأثير الحقيقي للابر الصينية والعلاج بها، وانكب العالم الغربي على دراساتها حتى أصبحت ممارسة معروفة في معظم بلاد الغرب، مع ملاحظة أن من يمارسها هم الأطباء المؤهلون المرخصون، حتى أن 25% من الأطباء في بريطانيا يمارسون العلاج بالابر الصينية في عياداتهم بالاضافة لعلوم الطب الكلاسيكية.

 

كما عرف العالم العلاج المثلي “الهوميوباثي” الذي اكتشف في ألمانيا في أوائل القرن التاسع عشر ثم انتشر ببطء ولكن بثقة حتى أصبح من الأسس المؤكدة للعلاج البديل والمكمل، مع الوضع في الاعتبار أن من وضع أسس هذا العلم هو الطبيب – وأكرر الطبيب- الألماني “صمويل هانيمان” وهو طبيب مؤهل ومتخرج من مدارس الطب الألمانية في ذلك الوقت ومارس الطب في عيادته لفترة طويلة.

 

وعرف العالم العلاج بالأعشاب قبل الطب الحديث وبعده وتراكمت خبرات الشعوب فيه حتى أصبح علما مؤكدا قامت عليه دراسات العلوم الصيدلية الحديثة التي قننت في كليات الصيدلة في العالم كله.

 

لكن المخيف في ظاهرة الطب البديل هي في اعتقاد البعض بل ورغبتهم المكبوتة في تحويلها من طب بديل الى “طبيب بديل”. فالطبيب يدرس العلوم الأساسية من كيمياء وفيزياء ونبات وحيوان في مرحلة ابتدائية في دراسته في كلية الطب، يتبعها بدراسة علوم التشريح والأنسجة ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية، في فترة دراسة تمتد الى 24 شهرا دون انقطاع، وهو في هذه المرحلة لا يتطرق للمرض بل لمعرفة الحالة الطبيعية التي يكون عليها الانسان سواء تشريحيا أو ميكروسكوبيا أو وظائفيا أو كيميائيا. يستتبع ذلك دراسة لعلوم الأمراض والأدوية والكائنات الدقيقة من ميكروبات وفيروسات وطفيليات يمكن أن تصيب جسم الانسان فتحدث المرض. ثم تكون المرحلة النهائية في دراسة علوم الأمراض الباطنية والجراحة وأمراض الأطفال وطب العيون والأنف والأذن والحنجرة وطب النساء والولادة، وطب المجتمع والطب الشرعي. وكل هذه المراحل تستغرق قرابة السبع سنوات، يعقبها سنة للتدرب كطبيب في كل هذه الفروع التي درسها. ثم بعد ذلك يقضي الطبيب فترة عامين كنائب في فرع للتخصص يختاره حسب اختياره ودرجاته المؤهلة، ثم يحصل على درجة الماجستير أو الدبلوما التي تؤهله للقب اخصائي، وقد يستمر في الدراسة للحصول على درجة الدكتوراة أو الزمالة، ويستمر في الدراسة ومتابعة الأبحاث الجديدة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

كل هذه الدراسة المرهقة والطويلة والمتخصصة يجيء من يعتقد أنه من الممكن استبدالها بدورة تدريبة أو قراءة في كتاب أو قفز على الحقائق لمجرد أنه أعجب أو تعرض أو شاهد شيئا من الطب البديل أو مارس هواية في جمع الأعشاب أو درس في فرع قريب من جسم الانسان، أو حتى رغب مجرد رغبة أن يمارس دور الطبيب المعالج رغبة في جمع المال أو ارضاء لنفسية مريضة.

 

ومع “هوجة” الطب البديل رأينا من يركب الموجة، فهذا متخرج من كلية التجارة – التي أكن لها كل الاحترام والتقدير – الذي قرأ أو درس دورة تدريبية في الهوميوباثي فيبدأ في علاج الناس مسبغا على نفسه لقب “دكتور” ، وهذه مهندسة عولجت بطريقة “الشياتسو” وهي الضغط على نقاط العلاج بالابر الصينية بالجسم، وتعجبها الطريقة فتقرر دراستها ثم العلاج بها، وتطلق على نفسها لقب “الخبيرة” وهذا سائح غربي أتي الى بلد عربي مع بعض المعلومات عن الهوميوباثي، فيعجب بالبلد وبطيبة أهله ويقرر الاقامة الدائمة فيه، فيطلق ذقنه ويسمى نفسه “الشيخ فلان” وينطلق معالجا أطفال الطبقة الراقية في هذا البلد مستغلا انبهار الناس بالأجنبي المستشرق الذي أصبح منهم، ثم – وياللعجب – يشرع في اعطاء دورات في علم “الهومبيوباثي” برسوم عالية لا يتقاضاها الا بالدولار، كل ذلك وهو ليس بطبيب مرخص، ولا تقترب منه سلطات ذلك البلد العربي، وهو في هذا يستغل طيبة وسذاجة وانبهار الناس.

 

والأخطر والأهم هو ذلك الدكتور “الظاهرة” الذي يطلق عليه الآن في وسائل الاعلام المختلفة لقب “أهم علماء الطب البديل في العالم” وهو ليس طبيبا ولا يمت للطب بصلة، بل هو متخرج من كلية التربية الرياضية، وتجده منتشرا انتشار النار في الهشيم في الفضائيات المختلفة يتكلم عن علاج كل الأمراض بعصير البنجر والشمر. ويتحدث عن علاج المرضي في عيادته، مسبغا على نفسه ألقابا من بلاد لابد أن تكون بالقطع بعيدة عن بلادنا حتى لا تطارده الشرطة بتهمة ممارسة الطب دون ترخيص.

 

ولا يفوتني هنا مثال لمريض كان يشكو من ألم في كتفه فأرسلت ابنته لواحد من هؤلاء الأطباء الوهميين الذي وعدها بالحضور لتدليك الكتف بأجهزته، لولا أن حباها الله بمن ينصحها باستدعاء طبيب باطني للكشف على الوالد، فوجد أنه مصاب بذبحة قلبية نتيجة ضيق الشرايين التاجية للقلب، والتي تعطي أعراضا منها آلام الكتف. ولولا ستر الله لكان الوالد في خبر كان لو تمكن منه هذا الطبيب المدعي الذي لم يدرس علم الأمراض بصفة خاصة ولا علوم الطب بصفة عامة.

 

والى هؤلاء الأطباء الدجالين أقول: هل يمكنكم علاج عتامة عدسة العين “المياه البيضاء” بالجرجير والبقدونس، أم أن العلاج الوحيد هو ازالتها بالجراحة وزرع عدسة بديلة مكانها تسترد القدرة على الابصار وتعيد النور الى من كان على عتبة عالم الظلام؟ أو هل يمكنكم انقاذ حياة مريض مصاب بنزف في المخ دون اجراء جراحة لاستخراج الدم المتجمع وسد الوعاء الدموي النازف، أم علاجه فقط بعصير البنجر والشمر الذي يصفه مدرس الألعاب الرياضية الدجال؟

 

ان خطوره هذا العبث بالطب والعلم هو حرمان المرضي من العلاج والتداوي الحقيقي الذي يمكن أن يقودهم الى الشفاء وتضييع الوقت في الوهم والادعاء والدجل من خلال أفكار تعبث بعقول البسطاء من المرضي وطالبي الشفاء.

 

وأفراد الهيئة الطبية المتخصصون يعرفون أدوارهم ولا يتخطوها.. فالطبيب للتشخيص ووصف العلاج واجراء الجراحة، والصيدلي لصناعة الدواء الذي يصفه الطبيب وأيضا لصرفه مع تحذير المريض من آثاره الجانبية، والممرضة والممرض لرعاية المريض حسب أوامر الطبيب، والمعالج الطبيعي للقيام بالعلاجات التي يصفها الطبيب (دون قفز على دور الطبيب والحلول محله بالطبع). لكن دجالي الطب البديل يلعبون كل الأدوار فيشخصون المرض بصورة ناقصة بالطبع حيث أنهم لم يدرسوا المواد الطبية الأساسية من تشريح ووظائف أعضاء وعلم التشخيص وعلم الأمراض وغير ذلك، ثم يصفون العلاج من البنجر والشمر والبطيخ واللفت والينسون والكمون، كما قد يمدون المريض بأكياس تحتوي على بعض الأعشاب التي تم تحضيرها بطريقة بدائية لا تحترم قواعد علم الأدوية من تحديد دقيق للجرعات والكميات. وهو في ذلك يحرمون المريض من العلاج الفعال الذي يمكن أن يشفيه من مرضيه بإذن الله.

 

هناك من يتحدث عن الطب الفرعوني وكيف يعرف هو كل أسراره وهو الذي لم تطأ قدماه كلية للطب في أي مكان في العالم، ويسمي نفسه عالم الطب البديل، مع العلم أن العالم تقدم جدا منذ أيام الفراعنة، ويا ليته يعرف أي شيء عن علوم الفراعنة، بل كل ما يقوله هو ادعاء عن البنجر والشمر والينسون والكمون.

 

ان الطب البديل – أو المكمل – حقيقة واقعة، شريطة أن يتعامل بها طبيب متعلم دارس ومتعمق. ذلك أن الطب البديل لا

يعني بالضرورة الطبيب البديل، الذي لم يتخرج من كليات الطب بل من تخصصات ودراسات لا علاقة لها بالطب، وكل علاقته بالطب عموما هي الرغبة المشبوبة في أن يكون طبيبا دون وجه حق.

 

ولقد اختلفت الهيئات الطبية في التسمية المناسبة لهذا النوع من الطب .. هل هو الطب البديل أم الطب المكمل .. ثم تم اعتماد تسمية “الطب المكمل” لأنها تضيف للعلوم الطبية الموجودة وتكملها ولا تستبدلها أو تكون بديلا لها .. ويبقى أن نطرح السؤال.. هل المطلوب طب بديل أم طبيب بديل.
طب بديل أم طبيب بديل؟