هذه ليست محاولة للتلاعب بالألفاظ. بل حقيقة نحاول توضيحها واخراجها للنور. العولمة هي السبب المؤثر للسمنة. وتحول العالم الى قرية واحدة أدي الى زيادة وزن كثير من الناس في العالم كله. ولقد اعتاد الناس في الماضي على تناول الطعام الذي تنتجه بلادهم الذي يتغير بتغير الفصول. فتنبت الأرض في الصيف محاصيل محددة يتناولها الناس في ذلك الفصل من خضراوات وفواكه وحبوب مختلفة، وتتغير المحاصيل في الشتاء فيتناولها الناس وقتها. لم يعرف الناس في الماضي تناول أغذية فصل الصيف في فصل الشتاء مثلا. ومن المؤكد والموثق أن الناس في الماضي لم يعرفوا السمنة مرضا ولا زيادة الوزن كمشكلة مؤرقة.

   

في فصل الصيف مثلا تزداد درجة الحرارة وتتسع مسام الجلد ويعرق الانسان في محاولة من الجسم للتبريد والمحافظة على درجة حرارة 37 درجة مئوية فيفقد الانسان الماء والملح في العرق، وهنا تجود الطبيعة بنبات البطيخ المليء بالماء والجلوكوز وهو السكر الذي بدونه لا يستطيع الجسم أن يمتص الملح من مصادره الغذائية المختلفة. وفي هذا الوقت يلجأ الانسان بفطرة سليمة الى تناول وجبة الجبن والبطيخ في استجابة لحكمة الجسد الذي تدفعه دفعا لمثل هذه الوجبة التي بها يتم تعويض الجسم عما فقده من ملح وماء.

 

أما في الشتاء فتجود الأرض بثمار البرتقال واليوسفي وغيرها من الموالح وهي ثمار غنية بفيتامين C  الذي يقي الانسان من الاصابة بنزلات البرد التي تنتشر بالطبع في فصل الشتاء، فيأتي هذا الفيتامين الهام في وقته المناسب.

 

في الماضي كان الانسان يتناول البطيخ صيفا والبرتقال شتاء كاحتياج وترتيب متبادل بينه وبين الطبيعة التي تهبه الشيء المناسب في زمانه ومكانه المناسبين. لكن أنظر الى العالم اليوم.. فواكه البرازيل الاستوائية وفواكه أوربا الباردة ترد الى أسواق كل بلاد العالم في نفس الوقت.. ولم تعد الفواكه ترياقا ودواء ووقاية لتقلبات الجو في فصل ما .. بل أصبحت متاحة طول الوقت في ارباك للجسم فيما ينبغي أن يتناوله في وقت ما. فأصبح تناول الطعام نوعا من الرفاهية وليس تحقيقا لاحتياج.

 

وليس الوقت فقط هو العامل الهام في التوازن والتكامل والتناغم بين الانسان والطبيعة، بل هناك عامل المكان الذي يرتبط به الانسان. فقد قرر العلماء أن أعشاب مكان ما تكون مناسبة تماما لأمراض أهل هذا المكان، ليس هذا فقط بل أن نفس العشب لا يفيد مريض من مكان ما اذا ما أستحضر من مكان بعيد عن موطنه.

 

ولنأخذ هنا مثلا محددا في علاقة الانسان بموطنه في حالة الصحة والمرض. اذ ثبت أن الهجرة من مكان لآخر تتسبب في زيادة نسبة الاصابة بأمراض لم تكن معروفة قبل الهجرة.. في أمريكا أكثر أنواع السرطانات انتشارا هو سرطان الجلد.. والسبب ببساطة هو أن المهاجر الأوربي لأمريكا له جلد لا يحتوي على دفاعات ضد أشعة الشمس مثل تلك التي يمتلكها سكان أمريكا الأصليون (الهنود الحمر) لذا فان جلد هذا المهاجر يصاب بالسرطان لتعرضه لشمس أقوى من شمس بلاده الأصلية (أوربا) حيث لا يحتاج جلده الى أي دفاعات من الخلايا الملونة للبشرة (الميلانين).

 

وعودة الى موضوع السمنة وزيادة الوزن، فان بلدا مثل أمريكا أصبح يعج بأنواع مختلفة من المأكولات الزاحفة الى العالم الجديد من مختلف بلدان العالم القديم. والعجيب مثلا أن الايطاليين مثلا يأكلون البيتزا والمعجنات في بلادهم فلا يصابون بالسمنة، أما الأمريكان فهم يأكلون البيتزا والمعجنات فيزيد وزنهم وتعم السمنة بينهم حتى تصبح وباء يصيب أكثر من 40 % منهم.

 

ويأكل اليابانيون وغيرهم من سكان آسيا الأرز الذي تنتجه بلادهم فلا يصابون بالسمنة، بينما يصاب بالسمنة من يأكلون من هذا الأرز في بلاد أخرى.

 

وعندما كان أهل الجزيرة العربية يقتصرون في طعامهم على ما تنتجه بلادهم من تمر وحليب إبل وأسماك كانوا يتمتعون بالصحة والرشاقة، ولكن عندما استوردوا الطعام من أركان العالم الأربعة انتشرت بينهم السمنة وزادت نسبة مرض السكري بينهم فبلغت نسبا من أعلى نسب العالم.

 

اذن فالغذاء الذي تنتجه الأرض التي تسكنها هو الذي يناسب جسمك واحتياجاته تماما، والفصول المختلفة تنتج أغذية مختلفة يحتاجها جسمك في هذا الوقت بالذات. ونخلص من هذا الى الاهتمام بالغذاء المحلي الطازج .. فتكون محاصيل الصيف التي تنتجها أرضنا لاستهلاك الصيف ومحاصيل الشتاء لاستهلاك الشتاء. فنحن وأجسادنا جزء من منظومة كبيرة متكاملة تشملنا من الكون كله.. في تناغم هام مع المكان والزمان والنبات والحيوان والهواء والماء والضوء والظلام والليل والنهار والبرد والدفء.

السمنة سببها العولمة