يعشق كثير من الناس الشوكولاتة الى حد الإدمان،  ويتعلق البشر في أنحاء العالم بالطعم الذي يذوب في الفم، والرائحة التي تدوخ العقل، وفي اللون المميز المثير الذي يخلب الألباب. وفي تحليل هذا العشق راجت كثير من التفسيرات. ولسوء الحظ فان الشوكولاتة ليست فقط الطعم اللذيذ الذي يأسر الفم والمعدة والمخ أيضا، بل هي كذلك الدهون والسكريات وهي المواد المتهمة بأنها تساعد على فقد الرشاقة وزيادة الوزن.

 

وللشوكولاتة قصة طويلة وتاريخ بعيد، فهي تأتي من شجرة الكاكاو وهي شجرة كانت في الأصل من نباتات العالم الجديد الذي اكتشفه “كريستوفر كولمبس” وآخرون، وموطنها الأول هو أمريكا الوسطى. وأكلها أفراد قبائل “المايا” قبل أن يكتشفها الأوربيون بزمن طويل. وكان الفضل في احضارها لأوربا للمستكشف الأسباني “كورتز” وذلك في القرن السادس عشر الميلادي، الذي علم الناس أيضا طرق تحضيرها. والبداية هي بذور الشوكولاتة الخام التي تكون في غاية المرارة، مما يستوجب أن يضاف اليها زبدة الكاكاو واللبن والسكر لكي يكون لها الطعم المستحب المعتاد. ولكي تصنع الشوكولاتة تخمر حبوبها ثم تجفف وتحمص قبل أن تطحن لكن تكون عجينة، ثم يخلط معها زبدة الكاكاو واللبن والسكر لكي ينتج لنا قالب الشوكولاتة المعروف والذي يختلف باختلاف أنواعه ومواطن تصنيعه.

 

ولقد كان أكل الشوكولاتة من علامات العظمة والتفاخر عند قبائل “المايا” في أمريكا الوسطى، وأيضا عند الأوربيين الأوائل، لذا فقد كانت حلوى الأغنياء الذين يستطيعون دفع ثمنها المرتفع في ذلك الحين. لكن الوضع تغير منذ زمن بعيد، وأصبح في استطاعة أي انسان أن يحصل على الشوكولاتة اللذيذة، مما أدي الى ذيوعها وانتشار تناولها حتى أن البعض يعتبرها خطر صحي لكثرة ما يستهلك منها ولاحتوائها على كثير من الدهون والسكريات. وبظهور زيادة الوزن والسمنة كوباء يجتاح العالم أصبحت الشوكولاتة واحدة من المواد الغذائية التي ينظر إليها بحذر مع أن الناس لا يستطيعون ضبط أنفسهم أمامها.

 

ويؤدي أكل الشوكولاتة الى الإحساس بالمتعة واللذة لطعمها المميز الذي يحبه الصغار والكبار، وهو إحساس مطلوب عند كثير من الناس الذين لا يستطيعون مقاومتها، مما دعا البعض الى وصف التعلق بها بالإدمان، وهو وصف لا يبعد كثيرا عن الحقيقة. ولتفسير تعلق الناس بالشوكولاتة أجريت كثير من الأبحاث عنها مما أدي الى اكتشاف أنها تحتوي الى عدد من المواد النشطة كيميائيا يتعدي الألاف، وقد  بدأ العلم في التعرف عليها مؤخرا : مواد لها تأثيرات مضادة للاكتئاب، وتعطي إحساسا بالبهجة، ومواد أخرى تريح السيدات في فترة توتر ما قبل الدورة الشهرية، بل أن بها مواد لها تأثيرات شبيهة تأثيرات نبات القنب المخدر. ولكن لماذا يدمن البعض الشوكولاتة ويتعلق بها بشدة فيما لا يدمنها بنفس القدر البعض الآخر، تفسير هذه الظاهرة غير معروف، لكن المعروف أن نسبة المدمنين على تناول الشوكولاتة هي أكثر في النساء عنها في الرجال، حتى أن البعض يتبني مقولة أن : ” أقصر طريق الى قلب المرأة قالب شوكولاتة “.

 

وهناك نظرية تحاول تفسير ظاهرة تعلق المرأة بالشوكولاتة أكثر من الرجل تقوم على أساس تغير مستوى هورمونات السيدات بصفة دورية. وتناول السيدات للشوكولاتة قد يكون محاولة علاج شخصية لاعادة التوازن لهذه الهورمونات. وتسجل بعض السيدات أن رغبتهم في التهام طعام ذي دهون عالية ومذاق طيب بما في ذلك الشوكولاتة تزيد في فترة الدورة الشهرية. ومن المعروف أن هورمون البروجستيرون هو هورمون نسائي مهم في عملية التبويض والدورة الشهرية، ويعتقد أن البروجستيرون يقود الى تخزين الدهون ومن ثم انخفاض مستواها في الدم، مما يؤدي الى رغبة عارمة في أكل الدهون في هذه الفترة.

 

ومن المواد الكيميائية الموجودة في الشوكولاتة الأمينات الحيوية، ومادة الميثيل زانثين، ومواد مخدرة، ومواد مثل ببتيدات المخ. ورغم وجود هذه المواد في الشوكولاتة إلا أن تركيزها ليس بالنسبة المرتفعة التي تجعلها تؤثر في وعي الإنسان.

 

وأنواع الشوكولاتة الرخيصة الموجودة هذه الأيام تحتوي على قليل من الكاكاو وكثير من الدهون والسكريات، وهذه الحقيقة تدفع محبي الشوكولاتة الحقيقيين الى البحث عن  الأنواع ذات التركيز الأعلى من الكاكاو والتركيز المنخفض  من الدهون والسكريات رغم ارتفاع ثمنها.

 

والأمينات الحيوية الموجودة في الشوكولاتة تحتوي على التيرامين والفينيل ايثيل أمين وهذه المادة بالذات لها تأثير منشط على المخ. ولها أيضا تأثير مضاد للاكتئاب وتأثير منشط يشبه تأثير مادة الأمفيتامين. ومجموعة الميثيل زانثين والتي تنتمي إليها مادة الكافيين لها أيضا تأثيرات منشطة ومدمنة. ولكن مدمن القهوة لن يمانع في أكل الشوكولاتة حيث أن نسبة الكافيين بها لن ترضيه عما اعتاد أن يشربه من القهوة. وتحتوى الشوكولاتة أيضا على مواد الأسيتل ايثانولامين وهي مواد مخدرة من الممكن أن تقود الى بعض المشاعر الشبيهة بتعاطي المخدر. وكل المواد المذكورة سابقا هي بعض المكونات المعروفة في الكاكاو والشوكولاتة.

 

وللشوكولاتة مؤشر سكري مرتفع (70) أي أن قدرة مائة جرام منها على رفع مستوى السكر في الدم تماثل قدرة سبعين جرام من سكر الجلوكوز، كما أن كل مائة جرام منها تحتوي على 60 جرام من المواد الكربوهيدراتية، وأيضا على 450 سعر حراري.

 

وعلى العموم، لم يوجد دليل علمي أن تناول الشوكولاتة يرتبط بالسمنة، إذ أنها تكون في المتوسط 0.7 الى1.4 في المائة من اجمالي السعرات التي يتناولها الشخص يوميا. ويعتقد البعض أن المتعة التي ترتبط بأكل الشوكولاتة يعقبها إحساس بالذنب، مما قد يؤدي الى زيادة الوزن في بعض الناس الذين يعاقبون أنفسهم على أكل الشوكولاتة بأكل المزيد من المواد الغذائية غير المسموح لهم بأكلها. وعلى العموم فانه لا يمكن لوم نوع واحد من الطعام لتسببه في السمنة وزيادة الوزن، ذلك أن مجمل الطعام الذي يتناوله الشخص مع قلة الحركة التي تستهلك سعرات هذا الطعام هو السبب الرئيسي لزيادة الوزن.

 

ويقول المدافعون عن الشوكولاتة أنها تحمي الناس من مرض السرطان، حيث أنها تحتوي على مستويات مرتفعة من مضادات الأكسدة  الى تحمي الجسم من الشوارد الحرة التي تسبب السرطان. كما يقولون أنها تحمي القلب من خطر الأمراض لأنها تحتوي على مادة حمض الستياريك وهو حمض دهني مشبع لا يرفع مستوى الكوليسترول في الدم، لكن يجب أن يوضع في الاعتبار أن الشوكولاتة تحتوي على دهون أخرى عالية الكولستيرول.

 

جاءت هذه المعلومات بعد أن حركت الشوكولاتة مجموعة من الأطباء لكي يعقدوا ندوة عن طريق الأقمار الصناعية خلال انعقاد المؤتمر رقم 22 للجمعية الأوربية لأمراض القلب، خلال شهر أغسطس سنة 2000 والذي أقيم في هولندا، وكان عنوان المناقشة “الشوكولاتة، مضادات الأكسدة، الفينولات المتعددة، وصحة القلب والأوعية الدموية “. وأوضح الأطباء المشاركون في هذه الندوة أن بعض المواد الموجودة بالشوكولاتة لها خواص مضادات الأكسدة والتي تقاوم الشوارد الحرة المدمرة لأنوية الخلايا، وهي بهذا تتفوق على مضادات الأكسدة الموجودة في الشاي الأخضر.

 

ومن ناحية أخرى ناقش بعض المشاركين العلاقة المحتملة بين استهلاك الشوكولاتة ومرض السمنة، موضحين في الوقت نفسه أنه في خلال الخمسين عاما الماضية فان نسبة السمنة زادت، فيما لم تزد نسبة تناول السعرات الحرارية والدهون. وأوضح هؤلاء أن العامل الرئيسي في زيادة معدلات السمنة قد يكمن في انخفاض معدلات الحركة الجسدية وممارسة الرياضة وليس في تناول الدهون والسكريات الموجودة بالشوكولاتة. وتوقع بعض المشاركين في الندوة أن دهون الشوكولاتة وهي الستياريك، والأوليك لها تأثير في خفض مستوى الكوليسترول منخفض الكثافة، وهو الكوليسترول الضار، وبالتالي فان تناولها لا يؤثر سلبا على القلب والأوعية الدموية.

 

ولكي لا نترك القارئ في حيرة، فإننا نلخص الأمر كله في أن الشوكولاتة حلوى محببة للنفس، ولكنها تحتوي على دهون وسكريات قد تؤثر في الوزن وترفع نسبة السمنة. والحل يكمن في تناول الشوكولاتة ذات المحتوى الدهني المنخفض، والتي تحتوي على السكريات الصناعية، مع مراعاة أكلها بكميات صغيرة، وعدم تكرار ذلك يوميا، كما يمكن شرب الكاكاو مع اللبن منخفض الدسم مع تحليته بالسكريات الصناعية.  وبالهناء والشفاء.

الشوكولاتة أقرب طريق الى قلب المرأة