جاء العيد.. والعيد فرحة.. ولحمة وفتة بالخل والثوم.. وعندما تحتاج البطون تتوه العقول.. وتذبح الخراف والعجول.. وتقام الموائد.. وتمتد الأيدي الى الطعام وهي تهتف بحمد الله وشكره على النعمة.. ويستمر الأكل الى ما بعد الشبع.. ولكن ينغص الأكل ويمغص البطن ويوقف الشهية ما يقوله الأطباء عن خطورة الاكثار من أكل اللحوم.. وأنها تسبب زيادة الكوليسترول في الدم مما يؤدي الأمراض والمشاكل للقلب والشرايين والضغط والنقرس.. و.. و.. فما هي الحقيقة اذن ؟ وهل هناك فائدة من وراء اضافة الخل والثوم الى طبق الفتة التقليدي في معظم الأعياد والمناسبات والموائد المصرية ؟ p> 

اللحم غذاء جيد عند تناوله بالكميات المناسبة والمعتدلة، صحيح أن الأغذية الغنية بالدهون تسبب ارتفاع الكوليسترول والمشاكل الصحية الناتجة عنه، ولكن اللحم ليس المتهم الوحيد، بل يمكن الحكم ببراءته اذا كان خال من الدهون ومن أجزاء معينة. ان اللحوم الحمراء تمد الانسان بالحديد والبروتين وفيتامين ب 12. وعند الرغبة في اللحم المفروم يمكن أن يتم شراء قطعة من اللحم الأحمر على أن يتم فرمها أمام عينيك بعد ذلك. واللحم يمكن أن يطبخ بطرق عديدة منها السلق والشوي والفرن والطاجن، لكن يفضل عدم قلي اللحوم في أي نوع من الدهون سمنا كان أو زيتا. وعند تجهيز اللحم يجب التخلص من الدهون الملتصقة بها قبل الطبخ، وبعد الطبخ يمكن مثلا تجفيف قطع الهامبورجر من الدهون عن طريق وضعها بين طبقتين من الورق المستخدم في المطبخ.

 

وهناك بعض الخطوات التي يجب الحرص عليها عند التعامل مع اللحوم، فمثلا يجب حفظ اللحوم في ثلاجات قبل استعمالها، وعند الطبخ يجب أن يتم انضاجها جيدا، واذا ما تبقي شيء منها وأردت حفظه في الثلاجة يجب اعادة تسخينه ثم تبريده. ومن المهم استعمال لوح خشب مخصص لتقطيع اللحوم مع مراعاة غسله وتعقيمه بدقة بعد الاستعمال حتى لا تنمو عليه الميكروبات.

 

ولكن ماذا عن الفتة بالخل والثوم ؟ ولماذا يضافان معا الى الفتة ؟ ان الخل والثوم هما مادتان لا تفترقان في كثير من استعمالات المطبخ الشرقي، وهما علاج تقدمه الطبيعة للانسان عن طريق طعامه. والمثير للدهشة أن هذا الثنائي المثير للشهية من رائحة وطعم معلوم لكل المعالجين الطبيعين من الصين شرقا حتى الهنود الحمر غربا مرورا بشرقنا المتوسط وحتى سكان المسكيك الأصليين من الأزتيك. والخل والثوم كل منهما على انفراد لها فوائد معلومة ولكن اجتماعهما معا يزيد من فاعليتهما وتأثيرهما.

 

أول فائدة للخل والثوم المضافين الى الفتة المزدانة بقطع اللحم المسلوق أو المحمر “الهبر” أنها تقلل من الكوليسترول الذي قد يوجد باللحم أو بدسم المرق، وهما بذلك يكونان الترياق الذي يعالج الضرر المحتمل، لذا فان العبقري الأول الذي أضافهما للفتة واللحم كان ملهما بكل أمور الطب والصحة والوقاية من المرض. والخل والثوم يقاومان البرد والانفلونزا ويقللان من آلام المفاصل، وهما مضادان قويان للسرطان، ويزيدان الطاقة ويقللان ضغط الدم ويحسنان الدورة الدموية ويحميان القلب. وهما بهذا يردان على المتخوفين من أكل اللحم بالفتة، فهما موجودان للحماية والدفاع والمقاومة.

 

والكلام عن الخل والثوم ليس جديدا كما أسلفنا وفاعليتهما ليست سرا، ففي الأيام الخوالي كانت أمراض الصدر تعالج بصفة روتينية بخليط من الفلفل والخل لازالة الاحتقان وتحسين التنفس، وكان “جالينوس” الطبيب الروماني الشهير المعروف بأبي الطب يصف الثوم لآلام الصدر.

 

والثوم يستطيع بفاعية تقليل مستوى الكوليسترول منخفض الكثافة والذي يتسبب في اتلاف الأوعية الدموية والقلب، وتناول فصين من الثوم الطازج أو حبتين من زيت الثوم يوميا يمكن أن يساعد في هذا المجال. ويستعمل الثوم أيضا للوقاية من الحالات المزمنة التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي، فهو يقتل الجراثيم ويحسن الهضم، وتقول عنه الأبحاث الحديثة ” الثوم طعام أساسي يقوي من صحة الجسم ويحميه بصفة عامة “، ويصفه أطباء الأعشاب الصينين واليابانيين كشفاء لمرض ارتفاع ضغط الدم، ويستعمله الأطباء الهنود لعلاج أمراض القلب وعديد من حالات آلام المفاصل حيث أنه ينشط الجهاز المناعي. ويصف المعالجون خليطا من الثوم والعسل لايقاف حالات الربو بسرعة، كما أن الثوم قد أثبت فاعلية في قتل البكتيريا المسئولة عن التهاب المثانة البولية المتكرر. ومن المعروف أن الثوم وأيضا البصل يحتويان على مادتي الليسين والسيلينيوم وغيرهما مما يساعد على السيطرة على مرض ارتفاع ضغط الدم. كما أثبت الثوم فعاليته في المساعدة على ايقاف نمو السرطان، وخصوصا سرطان القولون وهذا ما نشرته جامعة تكساس في بحث لمستشفى أندرسون التابع لها.

ولعل من المفيد والمهم للرجل الشرقي – والرجال عموما – معرفة أن الثوم من المواد الغذائية المثيرة للرغبة والشهوة، لذا فانه يوصف لطعام المتزوجين حديثا والراغبين في انشاء أسرة جديدة. وعودة مرة أخرى لفوائد الثوم الغذائية حيث يعرف منذ زمن بعيد بتأثيره الفعال كترياق لعديد من سموم الطعام والنزلات المعوية الناتجة عن التسمم الغذائي. وتوصف أقراص الثوم بعد الغذاء والعشاء مباشرة لكي تريح الأمعاء من سوء الهضم حيث يساعد الثوم على زيادة افراز العصارات الهضمية.

 

والثوم بالاضافة لمقدرته على خفض الكوليسترول الضار يمكن أن يحمي القلب عن طريق منع تكون الترسيبات الدهنية في الشرايين، ويعالج مرض تصلب الشرايين في سلوفاكيا بخليط من الثوم المغلي في خل التفاح، وهذا العلاج يوجد الآن في صورة أقراص.

 

واذ تحدثنا عن الثوم فماذا عن رفيقه في طبق الفتة اللذيذ وهو الخل؟ يعتبر الخل الأبيض بمفرده دواء عظيما حيث استخدم في الماضي لعلاج التهاب المفاصل والأورام وأمراض القلب وأمراض أخرى دارجة. وتشير المخطوطات الطبية الى عديد من الاستعمالات للثوم والخل معا. وفيما يلي بعض الاستعمالات الطبية التي أشار لها الطب القديم للثنائي الاعجازي الخل والثوم :

• حب الشباب : يخلط عصير فصين من الثوم مع كمية مقابلة من خل التفاح وتدلك بها الحبوب كل مساء، فتزول الحبوب خلال أسبوعين.
• الربو : العلاج الشعبي المشهور لهذا المرض هو فص أو فصين من الثوم يتم ابتلاعها بملعقة كبيرة من خل التفاح مخلوطا بالعسل، ويتم هذا في الصباح على معدة خالية.
• أمراض البرد : ضع فصا من الثوم بين خدك وأسنانك، ولكن بدون مضغ. ثم اتبع ذلك بقليل من الخل مخلوطا بالعسل وخصوصا اذا كنت تعاني من التهاب الزور.

 

وهكذا يبدو أن عبقرية الطبخ الشرقية اكتشفت هذه الثنائي الساحر الخل والثوم الذي يعطي الرائحة والطعم والمذاق وأيضا الحماية للقلب من مخاطر الكوليسترول الموجود في اللحم والمرق الدسم والسمن الذي يتم اعداد الفتة بها. وكأن الخل والثوم ليسا فقط من أجل اسالة لعاب الجيران الذين يشمون الرائحة من بعد عدة طوابق وعدة بيوت – اذا لم يكونوا هم أيضا يعدون الفتة بالخل والثوم في نفس الوقت – بل هي وصفة طبية سحرية أيضا لكي تأكل ثم تنام قرير العين بدون خوف من الكوليسترول أو ارتفاع الضغظ أو سوء الهضم.. بالهناء والشفاء.. وكل عام وأنتم بخير وصحة.

الفتة بالخل والثوم ترياق لمشاكل اللحوم