اليومية الأولى:

كيف أبدأ؟ ولمن أرسل الكلمات؟ فهل من سامع ليوميات فتاة مراهقة؟

الكل كبير.. الكل ينظر إلينا على أننا أبطال فترة سلبية مزعجة بين الطفولة والرشد، ولكن الكل لا يعلم أننا بغير رغبة ودعنا الطفولة؛ فالتغيرات الفيزيولوجية السريعة فينا كانت فوق طاقة هذه الطفولة.

وأنا الآن مرهقة.. مرهقة جداً من جراء هذا النضوج، من نشاط هذه السيرورة البركانية المتفجرة بتواصل يمنع أديم أرضي من التصلب… مرهقة أنا من وداع أيام العفوية والصدق والبراءة أمام باب أقفل بالشمع الأحمر وطبع عليه (لم تعودي صغيرة لتفعلي هذا !).. و(انتبهي لتصرفاتك وحركاتك وأقوالك فقد باتت محسوبة عليك!).

أليس من الممتع أن ينضج الإنسان بإنسانيته الطبيعية؟ أليس من الطبيعي أن أستمتع لرؤية الأنوثة تتبرعم على جسدي وتتفتح في روحي؟ !.

مذ كنا صغاراً كانت متعتنا الكبرى أن نقلد الكبار، وأن نرتدي ثياب أمّنا، وننتعل أحد أحذيتها ذا الكعب المرتفع، وأن نتزين ونتمختر كالجميلات.. وهاهي أحلام الطفولة تصبح واقعاً، لكنه خالٍ من تلك اللذة القديمة بمحاكاته؛ لأنه أصبح واقعاً اجتماعياً مُربكا ًنفساً وجسداً، بعد أن كان حلماً وردياً صغيراً.

وتتعطل الأحلام الوردية فجأةً لتصبح أيام هذه الفترة كعقوبة بالسجن، يجب أن تمّر أيامها بسلام، وبأقل ضرر ممكن؛ فهي تمهيد لما قد تقرر مصيره مسبقاً-كما همست لي إحدى صديقاتي المقربات- والمستقبل هو أننا سنصبح زوجات وأمهات وجدات، وسنشرف على العناية ببيوتنا وأطفالنا، كما تفعل أمهاتنا تماماً… فتاريخنا مكتوب في السماء بحروف من نار.. ولم تعد للأحلام أي معنى إلا في استشفاف شكل الحبيب المنتظر، وثوب الزفاف الأسطوري، لتنسحب هذه الأحلام على هذا المستقبل، وتأخذ فيما بعد شكلاً تخطيطياً لحياة الأسرة السعيدة.

اليومية الثانية:

إنه الإرهاق والقلق حين أفكر بهذه الحياة التي تحددت طبيعتها منذ الآن، وأشعر بأني أنقاد نحوها انقياداً أعمى، كقبطان شلّت يده فجأة فوقف ينظر مذهولاً إلى دفة سفينته كيف تسير!..

إنما يجب أن تُملأ كأس المستقبل المجهول ولو خيالاً، كي يتوقف زحف التوجس وافتراس القلق، لكن كيف؟ كيف وأفكاري تتخابط بألف جدار وجدار، ككرة صغيرة مجنونة الألوان لا يستطيع الصبي الصغير إلا أن يقذفها ثم يخمّن على أي حائط سترتد، وهل ستعود إليه أم إلى الجدار الآخر، وإلى أين سينتهي بها هذا التقاذف.. وكلماتي هذه كأفكاري؛ مجنونة الأهداف والوجهات، كلعنة تركب رأسي الفارغ إلا من غبشها وغموضها.

حسناً… لقد بدأ الجميع يحسبون الأمر علي: لقد أصبحت فتاة كبيرة.. صبيّة.. عروس.. امرأة.. أنثى بأبهى تعبير..

فإلى أين سيمضي بي هذا الطريق، والذي مدخله اكليل شوك لاسع؟ ربما لورود تتبرعم؟ أو لصبّار وقريّص؟

أريد أن أعرف إلى أين المصير، لأعرف ماذا أريد وكيف أريد ما أريد؟ .

اليومية الثالثة:

طريقك تطول كلما طالت نفسك على الحياة، وتقصر كلما قصّرتها، المهم أن لا طريق مسدود، حتى الوقوف أو العودة للوراء أحياناً يفتح أمامنا مفارقاً وطرقاً جديدة، ليبقى أصعب ما في الطريق اختيارها.

إن كنت فتاة فماذا تختار؟ السير مع السائرات الحائرات؟ أم الثورة مع الثائرات المتخبطات؟ أو ربما الانتظار مع المنتظرات الصابرات؟…

وكثيرة هي الطرق، إذا اعتبرنا هذه الخيارات مفارق رئيسية. فإذا فكرنا بالنتائج نجدها جداولاً مهما طافت وفاضت وأزبدت، لن تغير في الخريطة أكثر من شطب خطٍ صغير، لتصبّ-نهايةً-في نهرها الكبير.. في بحرها الكبير (الزوج أو الأب أو الأخ )والذي يستطيع (هو) أن يغير تضاريساً بأكملها، بل ويلغي الخريطة لتصبح –إن شاء- صورة بحر واسع يحكمه حوت كبير…

فقل لي –بالله عليك- ألا تخشى مجرد فكرة أن تكون فتاة؟ أو تكون حيّاً بفضل من تتبعه أيا يكن أباً أو زوجاً؛ وقدر ما تتمتع به من حقوق وحريات إتما يدل على كرم سيدك وطيبة نفسه ورقي عقله.. فإذا فشلت رغم منحك كل هذا الكرم فوحدك الملام والفاشل، أما النجاح الذي تحققه فهو نتيجة الظروف الكريمة التي شرّفت نجاحك وباركته أولاً!.

المظاهر خدّاعة، والفخ مموه لدرجة تثير الإعجاب، وأرى فعلاً كثيراً من النساء استطعن نيل حقوقاً شبه عادلة اجتماعياً، والعمل ممنوح لهن في هذا العالم إلى حد الإشباع، ولكن في أي عالم؟ عالم الرجال بالطبع!.

أفلا أختار أقصر الطرق إذن؟ طريق من لا يختار طريقه! وبذلك لا تحمل نفسي المتعبة أكثر من طاقتها، مادام مصيري معلق دائماً بمصير شخص آخر.. وبذلك ينتفي الخوف من مسؤولية المستقبل القادم.. وكيفما كان فليكن.

اليومية الرابعة:

لم أكن أتصور أن في داخلي كل هذه الانهزامية المخيفة، وكأن كل تعاسة الدنيا وعجز المقهورين غمامة سوداء جثمت على صدري، لا أستطيع النظر إلا من خلال عتمتها.

هل أنا غير مفهومة؟ هل أنا مختلفة؟ أعلى منزلة أم أدنى؟.. هل المستقبل القادم كفيل بأن يعوضني هذا الضعف والانهزام الوقتي الذي أعيشه؟ وهل بوسعي أن أمسك خيوط مستقبلي وأحركه بيديّ؟ …

أريد؟ .. نعم أريد، أعرف أني أريد الاستقلال بحياتي، أريد التخطيط لحياة خاصة أفرّغ فيها محتويات صندوقي الفضي الذي يضم كل ما تحبه نفسي وتهواه، من أحلام للعمل والدراسة والسفر والأصدقاء… والحب… يجب أن أعترف أن في صندوقي الثمين مكان للحبيب، وأنا أريد النجاح بكل ما في حياتي وأحلامي من عمل وأمل، لكني أخشى أن أفشل في حياتي كأنثى حبيبة.. أنثى بهية في عيون من أحب، مع أني أعلم أن الأنوثة في شرع الطبيعة لا تتعارض مع استقلال الفرد بأمور حياته؛ لكن خوفي من شرع الرجال ! أليس من أحب من عالم الرجال؟!.

يوميات مراهقة – نسرين من سوريا