من كان يتصور أن هذا الأمير الجميل الوجه البهي الطلعة الرشيق القد الذي قادته الأقدار لتولي حكم مصر ملكا عليها في سن السادسة عشر بعد وفاة مفاجئة لوالده الملك فؤاد الأول، سينتهي به الحال الى أن يكون ذلك الرجل ضخم الجثة بوزن يربو على 160 كيلوجراما.. رجلا له كرش كبير ووجه مكتنز ولغد سمين، يعاني من الضعف الجنسي والاضطرابات النفسية. 

هل كانت بدانة الملك فاروق مجردة سمنة بسيطة ناتجة عن تناول طعام أكثر من الحاجة مما يضطر الجسم لتخزين الفائض في صورة دهون متراكمة؟ أم أن الموضوع أكبر من ذلك ويتعدى السمنة إلى مرض غمضت أساليب علاجه على طب ذلك الزمان؟

 

دعاني الى التعمق لدراسة هذه الحالة الفريدة استضافة كريمة من الدكتور خالد منتصر الطبيب والكاتب والاعلامي المتميز لفقرته الطبية الهامة في البرنامج الجماهيري “العاشرة مساء” الذي يعرض على قناة “دريم” الثانية. وكانت الفقرة بعنوان “السمنة في الدراما التليفزيونية”، وفي هذه الفقرة تناولنا مسلسل “يتربى في عزو” وكنت قد غطيت فكرتي عن هذا المسلسل من الناحية الغذائية في مقال سابق بعنوان “عشاء ماما نونة”  كما تناولنا أيضا مسلسل “الملك فاروق” حيث تم التركيز على سمنة الملك التي صارت واضحة لكل العيون، مع تفسير محتمل للأسباب المرضية لهذه السمنة.

 

تعطي الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك في حديث لها لاحدى الفضائيات تفسيرا لسمنة الملك فاروق بأن الأمر لا ينصرف إلى أسطورة شراهته في الطعام وصنوف الأكلات الخرافية، بل تعطي تفسيرا آخر يجب النظر اليه باهتمام، فتقول أن والدها الملك فاروق كان يعاني اضطرابات في الغدد سببت له سمنة مفرطة بدت واضحة عليه وخصوصا بعد حادث القصاصين، حيث تعرضت سيارته الخاصة لحادث تصادم مع عربة نقل انجليزية، فتقول بالنص في حديث لها مع قناة MBC “لا ننسى محاولة قتل الملك عام 1943 والغدد المصابة ضربت وده كان سبب زيادة وزنه وظهور شعر طويل في كل جسمه، وده كان كمين إنجليزي”. ويذكر بعض المؤرخين نقلا عن الوثائق البريطانية الاعتقاد بأن الملك قد أصيب بخلل هورموني انعكس على قدرته الجنسية بالسلب.

 

عرف عن الملك فاروق ملله من تكرار قوائم الطعام الملكية على الرغم من المخصصات المالية الكبيرة للمطابخ الملكية، وظل لديه اعتقاد دائم بأن أي طعام خارج قصوره أشهى مذاقا وألذ طعما. وله مواقف غريبة تؤكد نزعته التمردية على طعام القصور الملكية، ففي أحد المرات فوجئ صاحب مقهى بلدي متواضع في زقاق ضيق بين المنتزه والسيوف في الاسكندرية بصاحب الجلالة ملك مصر والسودان يدخل مقهاه مع حاشيته ويطلب فنجانا من القهوة التركي لانه علم أن هذا المقهى يجيد صناعتها، وفي موقف آخر أمر الملك بايقاف الديزل الملكي في محطة دمنهور لينزل أحد رجال الحاشية لكي يتوجه الى محل العاصي الشهير ليحضر للملك طبق فول ساخن لذيذ. ولشدة حبه للآيس كريم كان لا يتردد في الذهاب الى أي مكان يشتهر باجادته. وكانت أحب الأطباق الى قلبه المكرونة الاسباجيتي واللحوم والحلويات، كما ان له مزاج مختلف عن الآخرين فكان يعتبر ان كل من يعصر ليمونا على السمك أو الكافيار لا يفهم في الطعام. ومن المعروف أنه كان يفضل أن يطهو السمك الذي يصطاده بنفسه وهي صفة للرجل الذي يتلذذ بالطعام. ويقرر المعاصرون للملك أن بدانة فاروق ظلت مقيدة بشدة خلال حياة والده الذي استشعر قابلية ابنه للبدانة منذ صغره، لكن بوفاة فؤاد ازداد وزن فاروق تصاعديا حتى ان وزنه عند وفاته بلغ 168 كيلوجراما وفي قول آخر 140 كيلوجراما.

 

وقال البعض أن الملك كان يتناول كميات كبيرة من اللحوم والعصائر والفطائر والمياه والمحار تكفي عشرة أشخاص، وكان المحار يأتي إليه خصيصاً من كوبنهاجن أسبوعياً، وفسر البعض بذلك برغبة الملك في توليد قوة جنسية كان في حاجة إليها، بينما يقول البعض الآخر أن هذا المحار كان يستخدم لأغراض الريجيم الذي كان يتبعه لعلاج سمنته لخلوه من الدهون.

 

ويقول كريم ثابت المستشار الصحفي للملك وصديقه المقرب في كتابه «ملك النهاية» الذي كتب مقدمته محمد حسنين هيكل ان فاروق لم يكن يعتني على الاطلاق بهندامه او ملابسه وكان فوضويا في اكله يعشق الحلو وعصير الفواكه طوال اليوم والمربات والرز والمكرونة، كما ان مستوى الاكل في القصر لم يزد حسب قوله على مستوى مطعم درجة ثالثة. ويؤكد طباخ القصر أن اعداد بعض الأكلات البحرية مثل السبيط كان يترك لسيدة ايطالية متزوجة من أحد العاملين بالبلاط، مما يعطي فكرة عن نقص خبرة طاقم المطبخ الملكي وقتها.

 

وينفي الملك فاروق في مذكراته بعد تخليه عن العرش مقولة أنه كان يأكل 12 بيضة في الافطار يوميا، فيقول انه كان يطلب من جرسون الفندق الذي نزل فيه بعد خروجه من مصر اثنى عشر بيضة مسلوقة له ولبناته الثلاث وناريمان والمربية السويسرية، فتكتب الصحف وتنشر في المانشيتات الرئيسية أن فاروق يأكل 12 بيضة بمفرده يوميا.

 

كما نفى طباخ الملك فاروق الشيف عطية مرسي الذي عمل بقصر عابدين من 1938 حتى 1952 اشاعة الشوربة التي كانت تعد للملك من خلاصة خمسين خروفا، فيقول أن الشوربة كانت تعد من لحم جاموسي كبير توضع في اناء كبير جدا يسع خمسين كيلوجراما من اللحم وتسلق مع البصل والجزر والطماطم من الساعة السابعة صباحا حتى العاشرة مساء، وكلما نقص الماء يتم تزويده تدريجيا الى أن يهترئ اللحم والخضراوات تماما فتصفي بالمصفاة ثم بالشاش وبعد ذلك يتم نزع طبقة الدسم ثم توضع في الثلاجة من أجل الحصول على الدهون المجمعة على سطحها فيتم نزعها ثم تصفي مرة أخرى بالشاشة، تكرر العملية وفي النهاية يتم تثليجها وتشرب باردة ولونها ذهبي يشبه لون البريل الآن وهي من الأصناف المميزة جدا.

 

وبخصوص الخلل الهورموني الذي أشار بعض الكتاب أن الملك قد أصيب به وأثبتته التقارير الطبية التي أكدت فشل محاولات علاجه، فهو “يتعلق بضعفٍ هرموني وخمول غدد معينة جعلته يفتقد مقومات الفحولة حتى إنه كانت هناك فكرةٌ لإجراء عملية تنشيط لهذه الغدد الخاملة”..وهو ما سجلته الوثائق البريطانية التي نشرتها الدكتورة لطيفة سالم في كتابها عنه “فاروق وسقوط الملكية في مصر” الذي أشارت فيه إلى أن الأطباء أرجعوا ذلك الخلل إلى ما قبل زواج فاروق من فريدة واستمر معه. وللأسف لم نجد تفصيلا لهذا الخلل الهورموني، لكننا حاولنا البحث من خلال الأعراض المعروفة عن الملك، مع تحليل صور مراحله العمرية المختلفة، فهل كان هذا الخلل هو متلازمة أعراض كوشنج؟

وينتج مرض كوشينج عن زيادة افراز الكورتيزول في الجسم وهو خلل هورموني يحدث نتيجة لمرض الغدة الكظرية في الانسان. وأعراض هذه الحالة زيادة سريعة في وزن الجسم وخصوصا في منطقة الجذع والوجه بينما تنجو الذراعين والساقين من هذه السمنة، أي أنها سمنة مركزية. وتعتبر سمنة الوجه الذي يستدير كالقمر مميزة للمرض، مثلها مثل استدارة الجسم في منطقة الجذع، وهذه كلها علامات ظهرت على الملك وازدادت بسرعة حتى أصبح فاروق سمينا للغاية. كما أن ظهور الشعر على جسده من علامات الاصابة بهذا المرض. وتصاحب هذه الأعراض أرق شديد كان يميز الملك أيضا الذي يروى عنه حبه للسهر داخل وخارج القصر، كما يصاحبها أعراض نفسية مثل الرغبة في الضحك، والاكتئاب والقلق، ونوبات من الخوف الشديد.

 

ومن المعروف أن الحالة النفسية للملك كانت مضطربة ويصيبه الاكتئاب، كما كانت شكوكه قوية في كل من زوجته وأمه.

 

ومن الأعراض الهامة لهذه الحالة نقص الرغبة الجنسية، والضعف الجنسي، وهو ما سجلته الوثائق البريطانية في بعض الأحاديث التي دارت بين السير مايلز لامبسون السفير البريطاني في ذلك الوقت ورئيس الوزراء حسين باشا سري، وهي تكشف الحالة بوضوح:

سري: لقد تأكدت من مصادري الخاصة أن الملك لا يذهب مع النساء إلي آخر المطاف.
لامبسون: أعرف ذلك وأعرف أن زوجته الملكة فريدة أخطرته بعد عيد ميلاد الأميرة الأخيرة أنه إذا اقترب منها كزوج فإنها ستستقبله كمتطفل.
سري: وقبل الولادة لفظته.
لامبسون: ولكن.. كيف أنجب بناته؟.
سري: إنه ليس عقيما ولكنه يفتقد مقومات الشباب.
لامبسون: هذا أمر خطير ولا يستبعد أن يؤثر علي عقله.
سري: والحل؟
لامبسون: سأطلب من حكومتي الاتصال بالدكتور ب. هنري الذي سبق الكشف عليه عندما كان في لندن لنعرف حالته بدقة.

 

وبالرغم من أن هناك بعض الأقاويل التي تحدثت عن احاطه الملك نفسه بالنساء في بعض أوقات حياته، الا أن ذلك يمكن تفسيره بمحاولات تعويضية عن الضعف الجنسي باضفاء صورة الفحولة والرجولة من خلال المظاهر الاجتماعية.

 

من هذه التفاصيل، وأيضا من دراسة صور الملك فاروق في مراحل عمره المختلفة يمكننا افتراض أن الملك فاروق قد أصيب بالحالة المسماة “متلازمة أعراض كوشينج” نظرا لتشابه أعراضها مع الأعراض التي كان الملك يعاني منها. ويبدو أن علاج هذه الحالة لم يكن متاحا في ذلك الوقت حيث أنها عرفت طبيا كمرض في عام 1937 فقط.

ومن المعروف أن الملك فاروق مات بأزمة قلبية بعد عشاء دسم، كما أن هناك رواية أنه مات بعد دس السم له.

سر سمنة الملك فاروق