مشاعر الحب .. هل هي شيء غير محسوس لا يمكن قياسه وتقدير قوته ؟ يعرف البشر المشاعر منذ بدء الخليقة ، فيعرفون الحب كما يعرفون النور . وتتفق المصادر الدينية والعلمية أن النور كان موجودا قبلظهور أي صورة من صور الحياة . ويعرف العلم أن النور لازم لكل أنواع الحياة ، فيستخدم النبات ضوء الشمس للتمثيل الضوئي وتكوين كل أنواع الغذاء النباتي الذي يعتمد عليه الحيوان والبشر في الحياة .. وتمضي سلسلة التغذية في المخلوقات بحيوانات تأكل نباتات وحيوانات تأكل هذه الحيوانات .. وبشر يأكلون النبات والحيوان معا . وأصل هذه السلسلة هي الضوء .. النور .. وقررت الأديان السماوية أن الله هو “نور السموات والأرض” وأن “الله محبة” وفي هذا تتكامل المعاني .. ولأن روح الانسان هي قبس من روح الله لذا نجد أن هذا النور وهذه المحبة موجودان في الانسان أيضا .

يقرر علم الفيزياء أن النور أو الضوء هو موجات كهرومغناطيسية تتعامد فيها المغناطيسية والكهربية في اتجاه واحد .. ويقرر العلم أيضا أيضا أن أفكار ومشاعر الانسان تنتقل من المخ الى الجسم عن طريق الأعصاب في صورة موجات كهرومغناطيسية أيضا .

والمدهش في هذه المعلومات الفيزيائية أن الموجات الكهرومغناطيسية هي في واقع الأمر أقوى عدة مرات من الجاذبية الأرضية كما يقرر علماء الفيزياء .. ويعنى هذا أن الحب هو أقوى من أقوى قوة في الوجود .. قوة الجاذبية التي تجذب كل من على الأرض اليها ، والتي تجذب الأرض الى الشمس تدور في فلكها فلا تبعد عن مسارها قيد انملة .. كما تربط القمر بالأرض .. والشمس الى مجرتها .. والمجرات الى مساراتها المحدد في الكون العظيم .. هذه القوة العظيمة للجاذبية تتضاءل أمام قوة الموجات الكهرومغناطيسية التي تنقل مشاعر الحب.

والحب الذي يحتار في أمره الانسان منذ القدم في قوته وسيطرته على ارادة البشر يبدأ في عمليات كيماوية تبدأ في المخ لتنتشر عن طريق الأعصاب الى باقى أعضاء الجسم في صورة موجات كهرومغناطيسية ،ومنها الى خارج الجسم أيضا حيث لا يشعر بها الا حبيب يتوافق مع صاحب الموجة في الطول الموجي لمشاعر كل منهما ، فيشعر بما يفكر فيه الطرف الآخر دون كلام أو حديث فقط بمجرد التركيز في هذا الحبيب ، ولعل هذا يفسر كيفية نشوء الحب بين أثنين من البشر .

ولكن الحب ليس قصرا على البشر ، فالحيوانات أيضا تشعر بالحب والرغبة في التقارب ، وان كان هذا يحدث غالبا في فصل الربيع مع التغير في الطقس وانتشار الدفء الذي يحل بالدنيا في فيزداد النهار طولا ويعم الضوء الدنيا ، وهنا يحدث شيئا صغيرا ولكنه هام جدا في المخ . اذ أن هذه التغيرات تؤثر على الغدة الرئيسة وهي الغدة النخامية ، فتفرز عديدا من الهورمونات في الدم تكون رسلا لباقي أجزاء الجسم ، وهذه الرسل الكيماوية تؤدي الى تغيرات أخرى في الجسم كله . بعض هذه التغيرات أكثر اهمية من غيرها مثل تلك التي تؤثر في أجهزة التكاثر وتعمل على تهيئتها لما خلقها الله له . ولأن للطبيعة حكمتها الاقتصادية ، فان الهورمونات لاتعمل على الجسد فقط، ولكنها تعمل بتأثير ثانوي على سلوكيات وتصرفات الكائن الحي في سبيل تحسين فرص بقائه على قيد الحياة . ففي السناجب مثلا ، فان هورموناتها التي تحدد بداية دورة التبويض للاناث بها رائحة يستطيع ذكورها التعرف عليهاعن طريق الشم . ومعظم الحيوانات الفقارية لديها أجهزة حساسة في الأنف للتعرف على وجود هذه الهورمونات عند الجنس الأخر . وتسمى هذه الروائح الهورمونية “فيرومون ” و بها يتم التواصل بين هذه المخلوقات وبعضها . وهذه الرائحة ليست نفاذة بالضرورة ، فقد لا يعرف ذكر السنجاب مثلا أنه يشم أية رائحة ، ولكن يبدو أن عنده أعصاب في مكان ما من المخ تتأثر بهذه الرائحة التي تؤثر في كيمياء الجسد ومن ثم في السلوكيات مباشرة .

ولكن اذا كان هذا هو الحال في السناجب فقد يتسائل البعض : هل يوجد مثل هذا “الفيرومون” عند الجنس البشري ؟ كان من المعتقد حتى وقت قريب أن الجنين البشري هو وحده الذي يملك جهاز التعرف على هذه الرائحة المميزة في أنفه ، وكان الاعتقاد أن هذا الجهاز يختفي بالتدريج قبل الولادة . وينمو هذا الجهاز الشمي عند الانواع المختلفة من الفقاريات مثل الطيور والحيوانات وبعض القردة ، إلا أنه وفي العقدين الأخيرين فقط ، وجد الباحثين دلائل قوية على أن الانسان أيضا يمتلك في واقع الأمر هذه القدرة العجيبة على الاحساس بتلك الرائحة ، بل واننا كبشر نتواصل يغير وعي منا عن طريق مؤثرات كيميائية محمولة في الهواء . ولعل هذا يفسر لماذا تمر النساء اللواتي يعشن معا بفترات الدورة الشهرية في نفس الوقت ، اذ تنتظم دوراتهن الشهرية حسب احساسهن – عن طريق الشم – بهرمونات بعضهن البعض . ومع وجود بعض الشكوك عند بعض علماء البيولوجي في طريقة عمل هذه الأعصاب ، وكيفية حدوث ذلك ، فان البعض الآخر قد نجح في فصل هذه المواد الكيماوية “الفيرمون” وان كانت كل النتائج لم تعلن على الملأ بعد.
وعندما يقع انسان في الحب ، فان معدل بعض المواد الموصلة في الأعصاب يزيد ، وهي كيماويات مثل مادة الدوبامين ، التي تعمل كمادة منشطة طبيعية تتميز بالقوة والاثارة ، فتدفع القلب لأن يدق بمعدل أسرع . كما ان انخفاض مادة السيروتونين في المخ يدفع الانسان الى أن يركز في شخص واحد ورغبة واحدة . ولكن هذه الموصلات العصبية لها تأثير مؤقت فقط في بعض أنواع المخلوقات اذ بمجرد تزاوجها فانها تنفصل بسرعة . ولكن في الانسان – وبعض أنواع الحيوانات الأخرى – فان الرغبة تستمر في الابقاء على علاقة زوجية مستديمة ، يتم فيها تربية الصغار وإستثمار مزيد من الطاقة في الحفاظ على نوعية حياة طيبة لهم وللأسرة ، فيما يرغب الطرفان في إستمرار الحب للأبد .

لكن بعد مرور نشوة الحب الأولي لاتعتمد العلاقة بين الطرفين المحبين على الجهاز العصبي ، بل أيضا على الغدد الصماء التي تستخدم أيضا الكيماويات في السيطرة على وظائف الجسم وهي هنا هورمونات وليست موصلات عصبية ، وتستمر تأثيراتها لفترات أطول . والمؤثر الأول هنا هو الغدة النخامية ، والتي يستقر موقعها قريبا من قاعدة المخ ، حيث تفرز عديدا من المواد . واحدة من أهمها هي مادة الأوكسيتوسين ، وهي المسئولة عن انقباضات الولادة وأيضا بداية افراز اللبن في الثدييات ، ولكنها تلعب دورا في سلوكيات الترابط بين الأم والأطفال. وأيضا تظهر ارتفاعات في معدلاتها في الزوجين المحبين المرتبطين بعاطفة قوية . ويتم افرازها مع مادة الاندورفين ، وهي مادة شبيهة بالمورفين ، وتفرز طبيعيا لكي تعطي احساسا طيبا .ورغم أن دور هذه الكيماويات لم يعرف على وجه الدقة ، الا أنها تؤثر على السلوك البشري محدثة إحساسا بالسلام والاستقرار .

هرشة الأربع سنوات :
ولكن من المؤسف أن هذا التأثير لا يستمر للأبد ، إذ أن تعود الجسم على هذه الهورمونات يزداد تدريجيا ، بينما تضعف حساسيتنا لها . ولقد دللت الأبحاث أنه بعد 23 الى 48 شهرا فان الزوجين لا يستطيعان الاعتماد طويلا على الأوكسيتوسين لكي يستمرا في الحب . وهنا تبرز قوى الطبيعة الكامنة التي تعتمد على أن ثلاث الى أربع سنوات هى فترة كافية لكي يزداد تماسك الطرفين المحبين – الزوجين – وبعد ذلك ، ولكي يستمر الطرفان في الترابط والتحاب ، فان قوة العقل يجب أن تسود فوق رغبات الجسد . اذ يعتمد الزوجين لإستمرارية الحب على القيم والاهتمامات المشتركة ، وكافة أنواع النشاطات التي تجعل متعتهما حية وقوية . كما يجب أن يعرف كل طرف من طرفي العلاقة ماهي اهتمامات الطرف الآخر ، ويظهر اهتمامه حتى بأدق التفاصيل التي قد تسعد شريكه ، وقد يكون ذلك بتقديم باقة ورد أو الدعوة الى وجبة خاصة أو نزهة في مكان ما ، مما يشعر الشخص بأنه مرغوب فيه وأن شريكه يرغب في اظهار تقديره له ويرغب في اسعاده .

وبالرغم مما يقال بشاعرية عن أن الحب يأتي من القلب ، فانه حقيقة يأتي من المخ حيث تكون هناك ناقلات عصبية تحمل الاشارات الكيميائية و الكهربية . و هذه الاشارات عندما تعمل بصورة حيدة فانها تنشأ المشاعر و التوازنات النفسية و الجسدية . و الحب هو شعور يظهر جليا من خلال أعراض جسدية . فالمحب قد يشعر بالقلق و التوتر و العصبية و أحيانا الخوف عندما يقع في الحب ثم ينفصل عن حبيبه لأول مرة ، و هذا هو عمل كيميائيات المخ عندما تخرج عن توازنها الطبيعي .

ويحتوي المخ على مواد كيميائية معينة مثل الدوبامين ، السيروتونين ، حمض الجاما أمينو بيوتيريك ، و مادة الأسيتيل كولين ، و لكل مادة من هذه المواد عمل محدد من خلال ممرات محددة ، مما يربط عمل هذه المواد الكيميائية ببعضها ، و يؤدي ذلك الى نشوء تفاعلات معينة تقود الى مشاعر و رغبات بذاتها . و مثال ذلك الرغبة في أكل الشيكولاته عندما نشعر بالوحدة أو عندما نكون تحت ضغوط ما ، أو عندما نصاب بالاكتئاب . كما قد تقود هذه التفاعلات للشعور بالغضب و الانفعال كرد فعل مثلا لازدحام حركة المرور . و هناك قائمة طويلة من الحالات التي تختلف فيها المشاعر نتيجة عدم التوازن بين المواد الكيميائية الموجودة في المخ ، مثل النشاط الزائد أو الشعور بالاكتئاب أو القلق ، أو متاعب القولون ، أو ارتفاع الضغط ، و مشاكل زيادة الوزن ، و الوساوس ، و الخوف ، و التعجل و غير ذلك الكثير .

وكيمياء المخ تبدأ بطاقة كهربية تجري في الأعصاب ثم تتحول الى طاقة كيميائية في المخ ، ثم تتحول ثانية الى صورة أخرى من الطاقة الكهربية التي تسري في الجسم عندما يحتاج اليها مثل التقاط قلم أو فتح باب . و عندما تكون هذه التحولات في الطاقة غير كافية أو غير مناسبة فان المشاعر و الأعراض الجسدية تبدأ في الظهور . فعندما يكون مستوى مادة السيروتونين منخفضا فان ينتج الأرق ، و قلة الثقة في النفس ، و السلبية ، و الاكتئاب ، و النرفزة ، و التعجل و الغضب ، و الرغبة في الأكل بكميات كبيرة . بينما لو كان مستوي مادة السيروتين في أعلى درحاته فان الاحساس العام يكون في أحسن حالاته . و هذا هو ما يحدث عندما نشعر بالحب . و عندما يقع الانسان في الحب فان مادة السيروتونين تزداد ، و بالتالي يزول الاكتئاب و الغضب و قلة الثقة بالنفس و تعود الشهية الزائدة لمستواها الطبيعي . ولسوء الحظ فان مادة السيروتونين تعود لمعدلاتها الطبيعية المنخفضة عندما تفتر العوامل التي أدت الى بدء الحب . وقد يرجع ذلك الى أن مستويات السيروتونين المنخفضة تكون موروثة وثابتة بالنسبة للأشخاص . وعدم التوازن قد يحدث لأي من المواد الكيميائية الموجودة بالمخ نتيجة لنوع الغذاء الذي نتناوله ، والحساسية لأنواع من الأطعمة و الأدوية و الأعشاب ، و أيضا الملوثات البيئية ، وضغوط الحياة ، و كعنصر وراثي عن الآباء . و من الجدير بالذكر ان بعض العلماء ينصحون باستعمال منتجات الطعام الطبيعية للحفاظ على التوازن بين المواد الكيميائية المنظمة لعمل المخ . وفي إجمال للأفكار السابقة يمكن القول أن الحب يجعلنا في حالة فريدة من التوازن بين المواد الكيميائية التي تعمل في المخ مما يؤدي الى حالة الرضا والسعادة التي يشعر بها المحبون .

الحب أقوى من الجاذبية الأرضية