وتجلس الأم طفلها في حجرها فيستكين في هدوء ودعة .. تهدهده قليلا ، ثم تمسك بيده الصغيرة الرقيقة بين يديها الحانيتين ، وتروح تهمس في أذنه .. آدي البيضة .. وآدي اللي سلقها .. وآدي اللي قشرها .. وآدي اللي أكلها .. وآدي اللي قال هات حتة لماما .. تقول الجملة الأخيرة بسرعة خاطفة وتدغدغه وهي تضحك ، بينما يصرخ الطفل من السعادة والفرحة الجارفة بمداعبة أمه.

اذن فهذه هي البيضة .. بيضة الموسم وكل موسم .. بيضة الربيع التي يقبل عليها كل الناس، فيسلقونها ويلونوها ويأكلوها مع باقي الأكلات التقليدية في الربيع وأعياده .. ولكن ماهي حكاية البيضة؟

 

تلوين البيض عادة مصرية قديمة
ان علاقة البشر بالبيض قديمة جدا ، وبالاضافة لكونه غذاء هاما فقد لاحظوا فيه قدرة الخالق على تجديد الحياة ، حتى أن عادة تلوين البيض ترجع لآلاف السنين عندما كانت البيضة رمزا مقدسا للحياة المختبئة خلف قشرتها حيث الغموض والمجهول ، وفي مصر القديمةكانت الصلوات والأدعية المرتبطة بالحياة غير المولودة بعد وغير المرئية الراقدة داخل البيضة ترفع لها باستمرار . والبيضة هي رمز الخصوبة والميلاد ، لذا أصبحت علما على الربيع فصل الخصوبة والدفء والنماء . عرف المصريون القدماء تلوين البيض ، واعتادوا اهداءه للأصدفاء كرمز للحياة المتجددة ، حيث أنهم كانوا يؤمنون أن الأرض نفسها فقست من بيضة عملاقة . وحسب معتقدات المصريين القدماء عن الخلق ، فان المحيط كان موجودا أولا ، ثم جاء “رع” الشمس من بيضة ظهرت على سطح الماء . وأنجب “رع” أربعة آلهة منهم “جب” الذي أصبح الأرض ذاتها ، ومنها ارتفعت الالهة “نت” التي أصبحت السماء . ولايمان المصريين القدماء بالخلود فانهم أطلقوا اسم البيضة على الأكفان الداخلية التي تغطي أجساد المومياوات، حيث منها تنبعث الحياة الجديدة للمتوفى .

 

أنواع البيض
وعندما نذكر البيض فان معظمنا يتجه تفكيره الى بيض الدجاج ، ولكن الحقائق تقول أن هناك أكثر من 8000 نوع من الطيور في العالم تضع بيضا من كل الأنواع ، الصغير والكبير ، الرقيق القشرة والصلب ، الأبيض والمبرقش والملون الذي تشبه ألوانه البيئة حوله فلا يراه الأعداء ، ولكن الطيور البالغة تستطيع تمييز بيضها عن بيض الطيور الأخرى . بعضها يضعه في فجوات بالأشجار ، والبعض يضعه في أعشاش يسهر على حمايتها . وليست كل البيوض بيضاوية الشكل ، فبعضها مستدير بالكامل ، وبعضها مدبب من طرفه حتي يدور في دائرة فلا يسقط من مكانه اذا تحرك .

 

والبيض الذي نأكله غالبا ما يكون بيض الدجاج ، واذا ما فتحت بيضة نيئة تستطيع رؤية “الصفار” في داخلها ، وحوله زلال البيض الشفاف قبل الطهو ، وهو ما يسمى بالألبومين . وتحتوي البيضة على كثير من الفيتامينات والمعادن بالاضافة للمكونات الغذائية المختلفة مثل البروتينات عالية النوعية ، والدهون التي تمنح الطاقة وفيتامينات “أ” و”ب” و “د” والريبوفلافين ، والمعادن مثل الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم ، وفيها 80 سعرا حراريا . وبالرغم من سمعة البيض السيئة كغذاء غني بالكوليسترول الا أن الجميعة الأمريكية لأطباء القلب تسمح بأكل بيضة يوميا بدون أن يشكل هذا خطرا على مرضى الكوليسترول المرتفع ، ومع ذلك ولمن يخشون من كوليسترول البيض فان بياض بيضتين يساوي بيضة واحدة كاملة حيث أنه خال تماما من الكوليسترول ويحتوي على ماء بنسبة سبعة أثمان وعلى بروتين بنسبة الثمن.

 

من السمان الى النعام
والبيض غذاء شائع والمعروف منه كطعام هو بيض الدجاج والسمان والبط والأوز والرومي، كما يمكن أكل بيض النعام والسلاحف المائية أيضا . وبيض السمان أصغر كثيرا من بيض الدجاج ، ولكنه يشبهه في الطعم ، وخمسة من بيض السمان تساوي بيضة دجاج واحدة ، وقشرة بيض السمان منقطة ويتراوح لونها من البني الداكن الى الأزرق أو الأبيض ، ويتم طهيه بالسلق جيدا ويقدم كمقبلات أو لتزيين الأطباق أو مع السلطات وأحيانا يتم تخليله بعد سلقه . أما بيض البط فهو أكبر قليلا من بيض الدجاج ، وله نكهة أقوى منه ولكن محتواه من الدهون والكوليسترول أكثر ، ويحتوى الزلال على ألبومين أكثر من بيض الدجاج ، ويلائم جدا صنع الحلويات المختلفة . ونأتي لبيض الأوز وهو أكبر حجما من بيض الدجاج أو البط ، ونكهته أقوي من بيض الدجاج وأغني في المواد الغذائية ويفضل استعماله في صناعة الحلويات ، وهو غني جدا بالكوليسترول ( 1200 مج في البيضة ) . وبيض الرومي يشبه بيض الدجاج ولكنه أكبر ولونه أبيض الى كريمي مع نقط بنية ، وحجمه أكبر من بيض الدجاج بمقدار مرة ونصف ، وهو غني جدا بالكوليسترول والدهون ، ولكن نكهته تشبه بيض الدجاج ، وهو غير متاح للمستهلك لأنه يستخدم في انتاج مزيد من الرومي . ويأتي بعد ذلك بيض النعام ، وهو كبير الحجم جدا حتى أن بيضة واحدة منه تساوي حوالي 20-24 بيضة دجاج كبيرة .

 

طهي البيض
والبيض يدخل في صناعة كثير من الأطعمة والحلويات، ويتم طهي البيض بالسلق أو القلي وهو مخفوق أو بصنع “العجة” ، ويدخل في عديد من الوجبات والحلويات حتي أنه قلما يخلو منه نوع طعام . لكن بعض طرق طهية قد تكون غريبة ومسلية، فمثلا بعض الناس يضعون البيض النيء في الجير الحي ثم يقومون برشه بالماء حتي ينضح البيض على الحرارة الناتجة ، وهم يعتقدون أن البيض المطهي بهذه الطريقة يعالج حالة “التبول الليلي اللا ارادي” عند الأطفال ، وبعض الأهالي في قبائل استراليا يضعون بيض السلاحف في تجويف غصن البامبو الأخضر ثم يلقون به في النار لكي ينضج ، ثم يقومون بتقشير البامبو وأكل البيض من داخله . وفي الصين يضعون البيض في خليط من طين الفخار والماء لكي يحفظه في حالة جيدة بعدما يجف على قشرته .

 

وقد يحدث أحيانا وأنت تأكل بيضة أن تجد نقطة دم في صفارها ، وهذه العلامة لا تعني أن البيضة مخصبة أو تالفة ، بل أن وعاء دمويا صغيرا على سطح الصفار قد انفجر أثناء تكون البيضة، وهذه علامة تعني أن البيضة طازجة ، ولا ضرر من تناولها بالطبع . كما يمكن أن تلاحظ أيضا أن البيض المسلوق جيدا قد يظهر حلقة خضراء حول الصفار ، وهذه تتكون نتيجة وجود الحديد والكبريت مع حرارة الطهي . واختلاف لون قشرة البيض هو بسبب نوع الدجاج فقط ولا صلة له بنوعية أو جودة البيضة أو مكوناتها أو طعمها او أسلوب طهيها . ويمكن حفظ البيض الطازج في الثلاجة لمدة 4-5 أسابيع منذ تاريخ التعبئة ، وبشرط ادخالها الثلاجة في أسرع وقت ممكن بعد الشراء ، كما يمكن حفظ البيض المسلوق في الثلاجة لمدة أسبوع في طبقه الورقي الخاص الذي يباع فيه حيث أن البيض يمكن أن يلتقط أية روائح موجودة في الثلاجة . والبيضة الطازجة تكون أكثر صعوبة في تقشيرها من البيضة التي حفظت في الثلاجة عدة أيام .

 

ويذكر أن تناول البيض نيئا قد يكون له مخاطر مثل الاصابة بميكروب السالمونيلا ، ويفضل أن يكون البيض مطهيا جيدا . وفي حالة البيض المقلي يجب أن يستمر طهوه حتي يتصلب قوامه بالكامل ولا يمكن رؤية أية أجزاء سائلة ، ويستحب قلب قرص البيض حتى ينضج بالكامل . وفي حالة سلق البيض فانه يجب أن يغطى وعاء السلق وأن يظل البيض في الماء الساخن من 4-5 دقائق .

 

بودرة البيض
ولحفظ البيض لفترة طويلة بدون تلف ، يتم تحويل البيض الى بودرة حيث يتم رشه كرذاذ يدور في مجففات تحوله الى بودرة بنفس طريقة صناعة اللبن المجفف .ويكون الناتج النهائي في صورة مسحوق يمكن اعادته الى صورة شبيهة بالبيض المخفوق الطازج ، وهو نافع لعديد من الاستعمالات، فيمكن اضافته لمكونات الطبخ أو الخبز مثل البيض الطازج تماما ، ويدخل في صناعة المايونيز والبودنج وأية حلويات أو وجبات أخرى . ويقول المتحمسون لبودرة البيض أنها أفضل من البيض الطازج في كونها لا تتلف بسهولة عندما يتم حفظها في عبوات محكمة ضد الهواء ، وفي هذه الحالة فانها يمكن أن تخزن في الثلاجات لمدة قد تصل الى عشر سنوات.

البيض يحمي من سرطان الثدي
ويبدو أن البيض سيظل سببا للفرحة والدهشة حتي في أيامنا هذه ، حيث اكتشف العلماء مؤخرا أن أكل البيض يمكن أن يحمي النساء من سرطان الثدي . فقد أعلن الباحثون في أمريكا أن هناك دليلا على أن الفتيات الصغيرات اللاتي كن يأكلن البيض بانتظام يتعرضن بنسبة أقل لسرطان الثدي في المستقبل . كما دللت الدراسة أن أنواع أخرى من الغذاء قد يكون لها نفس الفائدة الوقائية مثل الزيوت النباتية والألياف . وأضاف العلماء أن الأدلة تتزايد في اتجاه أن الطعام يلعب دورا هاما في حفز الاصابة بهذا المرض.

 

هذه هى حكاية البيضة التي أدهشت الانسان المصري القديم عندما رآها تفقس مخلوقا صغيرا يجدد الحياة ، فأطلق اسم البيضة على الأكفان الداخلية للمومياء متمنيا البعث والحياة لمن بداخلها ، وأبهجته عندما رأى في داخلها قرصا ذهبيا مثل الشمس مصدر الحياة فاحتفل بها واعتبرها رمزا للربيع فصل تجدد الحياة ، وفي عصر العلم تدهشنا البيضة مرة أخرى حيث تحمي من تأكلها من أمراض صعبة .. وآدي البيضة ..

البيض يحمي من سرطان الثدي