السمنة مرض المجتمعات الحديثة ولم تعان منها المجتمعات البدائية.. هذه حقيقة أكدتها الدراسات العلمية وكان نموذجها الواضح قبيلة شهيرة من قبائل الهنود الحمر قسمها رسم الحدود بين أمريكا والمكسيك الى قسمين، وبعد عدة عقود من الزمن كان القسم الذي يعيش في أمريكا يعاني من أعلى نسبة سمنة في العالم، فيما ظل القسم المكسيكي من نفس القبيلة على نفس الحال السابق من الرشاقة وعدم امتلاء الجسم. والتفسير الذي وجده العلماء لذلك هواستعمال القسم الأمريكي لأساليب الحضارة الحديثة في الغذاء والوجبات السريعة الغنية بالدهون والنشويات مما أدي الى سمنة مفرطة. وهذا يثبت أيضا أن السبب في السمنة ليس فقط في الجينات والاستعداد الوراثي، بل أنه هناك دور كبير للبيئة وأسلوب الحياة. |
وهناك حيوانات تظل تأكل طوال اليوم حسب فطرتها الطبيعية، ومع ذلك فهي لا تعاني من السمنة. ويقول علماء الحيوان أن الغوريللا لا تقرع على صدرها وهي تزأر كما تظهرها أفلام الرعب والمغامرات لسبب بسيط، هو أنها لا تجد وقتا لهذا القرع والزئير فهي تمضي كل وقتها في الأكل والتقاط الثمار واوراق الأشجار والحشرات الصغيرة ومع ذلك فلا توجد غوريللا سمينة.
وبتطبيق هذا النظام على الانسان نجد أن فطرته الطبيعية في الغذاء كانت تدعوه الى أكل الثمار المتساقطة من الأشجار، والى أكل الخضراوات النامية في الطبيعة، وأكل لحوم الحيوانات التي يستطيع صيدها. لم يكن للانسان البدائي مطاحن للدقيق أوأفران لخبز العيش، كما لم يكن لديه مصانع للسكر والحلويات المختلفة. كان يحصل على الطاقة اللازمة لحياته من مأكولات مثل اللحوم والخضراوات والفواكه التي تستهلك بالكامل في هذه العملية. ثم عرف الانسان زرع الحبوب والبقول ثم طحنها وفصل دقيقها عن باقي مكوناتها وخبز العيش، ثم صناعة السكر بعد ذلك بزمن طويل، وهكذا أصبح لديه مصدر سريع للطاقة، وبالتالي لا تستهلك الطاقة الموجودة في مكونات الغذاء الأخري التي أصبحت تختزن في الجسم على هيئة دهون ومن هنا جاءت كارثة زيادة الوزن والسمنة لانسان العصر الحديث.
ومن هنا يرى العلماء أنه لا حل لمشكلة السمنة الا بالعودة للحياة الطبيعية، والحصول على الطاقة من الأغذية الطبيعية الموجودة في البيئة دون تعديل كبير.
ولقد وجد العلماء أن انسان العصر الحجري ( الباليوسي ) كان صيادا وجامعا للثمار في وقت واحد، مما يعني أنه كان يأكل لحوم ما يصطاد من حيوانات، وأيضا فواكه وثمار مما يجمعه، وبالطبع الأوراق الخضراء الصالحة للأكل، ويشرب كثيرا من الماء. وهو ما كان متسقا من قدرات أعضاء الجسم، وكافيا لاحتياجاته العضوية بطريقة مناسبة.
وعندما يتبنى الانسان طعاما يماثل طعام الانسان الأول، فانه يحمي نفسه من أمراض السمنة الناتجة عن التغذية العصرية وتوابعها مثل مرض ضيق الشريان التاجي للقلب، والسكتة الدماغية ومرض البول السكري وتآكل مفاصل الركبتين، وارتفاع ضغط الدم وغيرها، وأيضا مرض هشاشة العظام -وهو واحد من أوبئة العصر الحديث- حيث أن الخضراوات تحتوي على كثير من الكالسيوم. وجدير بالذكر ايضا أن التقليل من استعمال ملح الطعام ( وهوآفة غذائية حديثة نسبيا ) سيؤدي بالتالي الى التقليل من فقد الكالسيوم في البول. والحقائق العلمية تؤكد أن نسبة الكالسيوم وكثافة العظام كانت أكبر في الهياكل العظمية للانسان القديم. ولاحظ العلماء أيضا عدم وجود علامات لاصابة أطفال الانسان القديم بمرض الكساح الناتج عن نقص الكالسيوم وفيتامين د. ويرجع العلماء زيادة نسبة هذا المرض بعد التمدن والتصنيع الى تثبيط امتصاص الكالسيوم بواسطة مادة موجودة في الحبوب التي كثر استخدامها كطعام في العصور الوسطى وليس لقلة التعرض للشمس والتي تؤدي الى تكون فيتامين د في جسم الانسان.
وفي العشرين سنة الماضية كانت الحكمة التقليدية في التغذية تضع الغذاء الغني بالنشويات والقليل في الدهون كطعام كامل، مع التقليل من أهمية تناول كميات كبيرة من البروتين باعتبارها خطرا على الصحة. لكن الأبحاث المتطورة أعطت أدلة قوية على أن الطعام البروتيني في الحقيقة هوالغذاء الذي تطور عليه الجنس البشري في مراحله الأولى. وأدي هذا الى تغير الصورة مؤخرا بحيث يوضع في الاعتبار أن الغذاء عالي البروتين منخفض المواد النشوية والسكرية، والغني بالخضروات والفواكه قد يكون الأكثر مناسبة للجنس البشري.
وفي دراسة حديثة ظهرت أدلة على أن الانسان الأول – الصياد جامع الثمار – كان يتناول طعاما يتكون في المتوسط من نحو50 % من الطعام الحيواني. ويتفق ذلك مع حقيقة أن الكيمياء الحيوية لجسم الانسان تتوافق مع تلك التي لجنس القطط ( بما فيها من أسود ونمور ) في اعتمادها على المكونات الغذائية الماخوذة من أطعمة حيوانية، حيث لا يمكن لجسم الانسان أن يصنعها من الأطعمة النباتية مثل بعض الأحماض الأمينية .
من أمثلة ما تحتوي عليه القائمة الطبيعية أو ما يسمى بريجيم العصر الحجري : البروتينات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء، والبيض، والدواجن، والأسماك، والفواكه مثل التفاح، والبرتقال، والكمثرى، والموز، والفراولة وغيرها، والخضروات الورقية مثل الخس والجرجير والفجل، وأيضا الكرنب والقرنبيط والطماطم والخيار والبصل، وخضار الطبيخ، وزيت الزيتون، كما تحتوي القائمة على المكسرات مثل البندق واللوز وعين الجمل. مع شرب كثير من الماء. ويمكن اضافة الحبوب الكاملة وخبر القمح الكامل. لكن القائمة لا تحتوي على أغذية يدخل في تركيبها ما اصطلح علي تسميته بالسموم البيضاء، ونقصد بها هنا السكر، والدقيق الأبيض، والملح، كما لا يدخل فيها منتجات الألبان.