أسرعت إلى المائدة، فكانت أول أفراد أسرتها، ملأت طبقها بكميات هائلة من الطعام، وبدأت تلتهم الطعام بسرعة قبل أن يكتمل عقد أسرتها حول المائدة. نظرت إليها والدتها بحزن، وقالت لها: «كل الأكل ده ومش بيبان عليكى يا بنتى؟ انتى فيه إيه فى بطنك، تعبان؟»، ضحك إخوتها الصغار، فيما زمجر الأب معبراً عن غضبه من طريقة أكلها رغم نحافتها الشديدة.
انتظرت حتى نام كل أفراد أسرتها، دخلت غرفتها وتأكدت من إغلاق بابها، نظرت إلى نفسها فى المرآة، «يعنى»، قالت فى سرها.. دارت حول نفسها وهى ترمق المرآة بطرف العين، شعرت ببعض الرضا، سارعت إلى درج مكتبها وأخرجت قالباً ضخماً من الشوكولاتة، راحت تقضمه ثم تمضغه بتلذذ واضح، نظرت إليه نظرة مشتهية، ثم قضمت مرة أخرى، وأغمضت عينيها وراحت فى حالة من النشوة واللذة، انتهت من التهام القالب، احتواها شعور هائل بالذنب مع تأنيب الضمير.. نهضت ببطء، اتجهت إلى الحمام، لفتت نظرها صورتها فى مرآة الحوض، كانت بادية البؤس، أغلقت باب الحمام حتى لا يسمعها أحد، وضعت أصبعها السبابة فى حلقها، ثم بعدما انتهت من هذه المهمة الشاقة.. نظرت مرة أخرى إلى المرآة، هالها اصفرار وجهها، فيما امتلأت عيناها بالدموع، وتنافرت خصل شعرها التى اختلطت بالعرق، كانت ضربات قلبها تتسارع، وعضلات جسدها كله شبه منهارة، تعانى فى لحظات كثيرة من تقلصات فى عضلاتها، أخبرتها صديقتها طالبة الطب أن ذلك بسبب نقص البوتاسيوم نتيجة القىء وارتفاع نسبة قلوية الدم.
هى لا تفهم كثيراً فى الأمور الطبية، لكنها عرفت أن القىء المتكرر بعد تناول أنواع الطعام الذى تحبه هو السبب فى هذه التقلصات. اقتربت أكثر من المرآة فلاحظت أن أسنانها متآكلة أيضاً، هى تعرف أن سائل المعدة الذى يخرج أثناء القىء حامضى وهو يسبب تآكل الأسنان كما يتآكل سطح الرخام من حامض الليمون، شعرت بالضيق من فكرة أنها ستخسر أسنانها إذا استمرت فى ممارسة عادة القىء بعد الأكل. راحت تفكر فى الأمر، هى تمارس هذه العادة الرذيلة من أكل كل ما تشتهيه نفسها دون ضوابط أو سيطرة على النفس ثم تتقيأ ما أكلته حتى لا يزيد وزنها منذ أن كانت فى المرحلة الثانوية، هى الآن فى الجامعة. حاولت أن تريح نفسها بفكرة أن الأميرة ديانا نفسها كانت تفعل ذات الشىء، لكنها شعرت بانقباض عندما تذكرت نهاية الأميرة المحزنة، تنتابها فترات من الاكتئاب وعدم الرضا عن النفس. حتى وزنها لا يثبت على حال، مرات يزيد، ثم تفقد بعض الكيلوجرامات لكى يعاود الزيادة. لماذا تمارس هذه التصرفات؟ إنها تبحث عن الكمال فى كل شىء؛ فى دراستها، فى ثقافتها، فى كل نواحى حياتها، لكنها ضعيفة الإرادة أمام مغريات الطعام. كان الحل فى الماضى سهلاً، تأكل كل ما تريد ثم تتخلص منه بسرعة حتى لا يؤثر على وزنها ورشاقتها، الآن تشعر بالاشمئزاز من رائحة القىء، ومن منظر أسنانها المتآكلة.
عندما استشارت الطبيب طمأنها بأن هذه الحالة قابلة للسيطرة، وأنها يجب أن تتعرف على أسباب المشكلة، كما أنه سيضع لها علاجاً سلوكياً فعالاً لعلاج الحالة التى لن تحتاج إلى أدوية. ونصحها بأن تعتدل فى أكلها، وألا تحرم نفسها من أى أنواع من الغذاء، فقط أن تراقب الكميات، وأن تكثر من أكل الخضراوات والفاكهة. نصحها أيضاً بممارسة الرياضة، وأن تنفتح على صديقاتها وعلى الدنيا بنشاط وفرح وحيوية تتناسب مع عمرها. وفى نفس الوقت كتب لها وصفة ببعض الأدوية المناسبة لحالتها.
كانت السطور السابقة وصفاً لمرض «البوليميا»، حيث يشعر المريض أنه لا يستطيع أن يتعامل مع مشاعره والضغوط الواقعة عليه، ويرغب فى عقاب نفسه على شىء يشعر -دون مبرر- أنه يلام عليه، وهكذا يأكل المريض بنهم ثم يفرغ جوفه مما أكل سواء بالقىء أو بالملينات، لكى يتجنب أو يفرغ الشعور بالغضب والاكتئاب والضغوط والقلق. ويكون المصاب بالمرض على علم بحجم المشكلة التى يعيشها، حيث يعانى من دورات متعاقبة من الشراهة، ثم إحساس هائل بالذنب، ثم إفراغ ما تم التهامه، وهو شعور بعدم القدرة على السيطرة على سلوكيات تناول الطعام. وعادة ما يدخل المريض فى دوامة تنظيم الغذاء وممارسة الرياضة وسوء استخدام الملينات ومدرات البول وأقراص التخسيس، مع القلق الدائم على شكل الجسم. ومريض «البوليميا» -بعكس مريض فقدان الشهية العصبى- يكون لديه هذا التتابع فى الأحداث؛ أكل شره ثم تفريغ، وقد يكون التفريغ عن طريق الملينات أو التقيؤ أو ممارسة الرياضة بطريقة قهرية مثل العدو العنيف والأيروبكس، فى محاولة لحرق السعرات التى التهمها، أو بمحاولة عدم الأكل نهائياً فى اليوم التالى للأكل الشره. وقد تصبح أقراص التخسيس هى وسيلة تعامل المريض مع حالته، أو استعمال مدرات البول كمحاولة لخفض الوزن.