ومصدر الدهشة والاستغراب مفهوم خاطي أن البكتيريا دائما تسبب الأمراض ، وبالتالي فان المنطقي هو التخلص منها والقضاء عليها .. ولكن هل يمكنك تصور أنك ستضع ميكروبات في فمك عمدا ؟ ولماذا ؟ لكي تتعالج من أمراض معينة ؟ نعم ستفعل ذلك وخصوصا اذا كان ذلك سيقلل من احتمالات الاصابة بسرطان القولون ويساعدك على الشفاء من عديد من الأمراض الأخرى . وفي واقع الأمر فان الاهتمام بالميكروبات المفيدة بدأ في الازدياد وسط علماء التغذية ، وعلم التداوي بالميكروبات “بروبيوتيك probiotic ” يعرف بواسطة كثيرين على أنه ” مكملات غذائية ميكروبية ” ، ويقصد بها استعمال الميكروبات لغرض خلق بيئة بكتيرية ايجابية ومفيدة في الجهاز الهضمي .
في دراسة نشرت في “المجلة البريطانية للتغذية” ناقش “باري جولدين ” الباحث في جامعة “تفتس” الفوائد المحتملة للعلاج بالميكروبات على صحة الانسان ، وقرر الباحث أن هذا الأسلوب يمتد في جذوره للتاريخ القديم ، اذ أن الانسان قد استعمل المزراع الميكروبية في تحضير المشروبات الروحية والأغذية المتخمرة لمدة لا تقل عن 4500 عاما ، وأن أول استعمال علمي للتداوي بالميكروبات تم في عام 1900 بواسطة متخنيكوف Metchnikoff ، ثم عاد الاهتمام بهذا الموضوع من جديد في عام 1935 عندما تمت محاولات لعلاج مرض الامساك بالميكروبات ثم ازدادت الدراسات تكثيفا حتى منتصف الخمسينيات .
وفي الواقع فان عددا محدودا نسبيا من الميكروبات يمكن استخدامه في العلاج ، ومن بين اسباب اختيار بعضها أن يكون نوعها غير محدث للمرض وغير منتج للسموم ، كما يمكنه أن يعيش خلال مرحلة التنقل في المعدة والامعاء الدقيقة . وعليه فان أكثر الانواع استعمالا في هذا النوع من العلاج هو ميكروب “اللاكتوباسيلاس lactobacillus” وميكروب “البيفيدوباكتريم “Bifidobacterium وهما موجودان في بعض أنواع الزبادي ومنتجات الألبان.
ومن أنواع الميكروبات المفيدة تلك التي تساهم في صحة وتوازن القناة الهضمية ، وتسمى أيضا بالميكروبات الصديقة أو المفيدة . وهذه الميكروبات الطيبة تعمل على الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي وتقاوم الأمراض المحتملة فيه . وتعمل هذه الميكروبات في الأمعاء فتقدم لها الحماية عندما يكون هناك توازنا بين كل أنواع البكتيريا التي تعيش بصورة طبيعية في الأمعاء . وعند انهيار هذا التوازن أو ارتباكه فان البكتيريا الضارة تنمو وتستفحل مما يؤدي الى الاصابة بمشاكل طبية في الجهاز الهضمي والجسم عموما . هذه البكتيريا الضارة هي بكتيريا مسببة للامراض وتسبب الاسهال وآلام البطن وذلك اذا لم تتوازن معها البكتيريا المفيدة التي تعمل من خلال ميكانيكة محددة منها التفاعل التنافسي مع الأنواع البكتيرية الضارة ، وانتاج مضادات للميكروبات وافرازاتها ، والحفاظ على حالة الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء وضبط مناعتها . ومن هنا جاء استعمال العلاجي الميكروبي في أمراض الجهاز الهضمي مثل التهاب الأمعاء وأيضا مرض القولون العصبي . كما استعمل هذا العلاج في مقاومة الخلل الذي يستتبع العلاج بالمضادات الحيوية ، والنزلات المعوية ، والاسهال ، وحساسية اللاكتوز ، والتهابات الأمعاء البكتيرية ، وسرطان القولون والتهابات الجهازين البولي والجنسي ، والأورام والحساسية مثل الاكزيما ، والتطعيمات وخفض الكوليسترول.
لفوائد الصحية للميكروبات
يقول المتحمسون للعلاج الميكروبي أن من بين فوائده علاج الاسهال والامساك والتهاب القولون وحساسية سكر اللاكتوز الموجود في اللبن ، والغازات ، وبعض أمراض النساء ،وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم ، وبعض أمراض الكبد الناتجة عن التسمم بالكحول ، وأيضا بعض أنواع السرطان ، لكن بعض المتحفظين على هذا الفوائد يقولون انها لم تثبت بطريقة علمية محددة حتى الآن ، وأن هناك بعض الأفراد والشركات الذين يروجون لهذه العلاجات بدون اثباتات واضحة حتى الآن ، وتظل الدراسات والابحاث المتتالية هي الفيصل بين وجهتي النظر المختلفتين .
ولكن الباحث “جولدين” يلقي الضوء على بعض الدراسات الواعدة التي تؤكد الفوائد المحتملة لهذا النوع من العلاج ، حيث أثبتت هذه الدراسات بالقطع أن الأشخاص الذين لا يستطيعون احتمال سكر اللاكتوز الموجود باللبن يستفيدون حتما من تناول اللبن المختمر مثل الزبادي واللبن الرايب . كما وجد الباحثون أن هناك دليل يساند فكرة أن نسبة سرطان القولون قد انخفضت في حيوانات التجارب التي تتناول أطعمة عولجت بالميكروبات .
وماذا عن الأضرار المحتملة للعلاج بالميكروبات ؟
وجدت ادارة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA أن معظم أنواع العلاج بالميكروبات آمنة وصنفتها في مجموعة واحدة مع السكر الصناعي “اسبارتام” . ولكن هناك تحفظا واحدا في هذا الشأن ، ذلك أنه في بعض حالات انهيار المناعة فان ميكروب اللاكتوباسيليس ، مثل الموجود في الزبادي ، يمكن أن يكون مصدرا للعدوي ، وهذا نادر جدا ، حيث أن من الثابت أن استعمال أي نوع جديد من البكتيريا في العلاج يجب أن يكون مبنيا على أمان وسلامة استخدامه .
مستقبل العلاج بالميكروبات
يقرر العلماء ان الاستفادة المطلقة من امكانيات العلاج بالميكروبات ستحدث عندما يتم استقرار هذا النوع من العلاج علميا ، لكنهم يقررون أن استعمال هذا النوع من العلاج مازال أقل من المتوقع . ويبقى السؤال الهام .. هل يقبل القراء الأعزاء فكرة أن يضعوا في أفواههم عن قصد وعلم ميكروبات وخلايا حية ؟ يبدو أن الاجابة معروفة مقدما ، فنحن نتناول هذه الميكروبات المفيدة والخلايا الحية بانتظام تقريبا ، مثال ذلك أكواب اللبن الزبادي اللذيذ ، واللبن الرايب ، وأقراص الخميرة المجففة ، ثم اننا نأكل أطنانا من الفسيخ في شم النسيم !.