شم النسيم، العيد القومي للمصريين منذ قديم الأزمان، ومن طقوسه التقليدية أكل البيض الملون، والفسيخ المملح، والنباتات الخضراء مثل الملانة.
وعلاقة البشر بالبيض علاقة البشر بالبيض قديمة جدا، إذ بالاضافة لكونه غذاء هاما فقد لاحظوا فيه قدرة الخالق على تجديد الحياة، حتى أن عادة تلوين البيض ترجع لآلاف السنين عندما كانت البيضة رمزا مقدسا للحياة المختبئة خلف قشرتها حيث الغموض والمجهول.
وفي مصر القديمة كانت الصلوات والأدعية المرتبطة بالحياة غير المولودة بعد وغير المرئية الراقدة داخل البيضة ترفع لها باستمرار. والبيضة هي رمز الخصوبة والميلاد، لذا أصبحت علما على الربيع فصل الخصوبة والدفء والنماء. عرف المصريون القدماء تلوين البيض، واعتادوا اهداءه للأصدقاء كرمز للحياة المتجددة، فقد كانوا يؤمنون أن الأرض نفسها فقست من بيضة عملاقة. وحسب معتقدات المصريين القدماء عن الخلق، فان المحيط كان موجودا أولا، ثم جاء “رع” الشمس من بيضة ظهرت على سطح الماء. وأنجب “رع” أربعة آلهة منهم “جب” الذي أصبح الأرض ذاتها، ومنها ارتفعت الالهة “نت” التي أصبحت السماء. ولايمان المصريين القدماء بالخلود فانهم أطلقوا اسم البيضة على الأكفان الداخلية التي تغطي أجساد المومياوات، حيث تنبعث منها الحياة الجديدة للمتوفى. يلون المصريون البيض منذ القدم، ويتناولونه بابتهاج في يوم شم النسيم، كما يهدونه لأصدقائهم وجيرانهم، ومنهم أخذ العالم عادة تلوين بيض عيد الفصح المنتشرة في العالم كله حتى الآن.
وعندما نذكر البيض فان معظمنا يتجه تفكيره الى بيض الدجاج، ولكن الحقائق تقول أن هناك أكثر من 8000 نوع من الطيور في العالم تضع بيضا من كل الأنواع، الصغير والكبير، رقيق القشرة والصلب، الأبيض والمبرقش والملون الذي تشبه ألوانه البيئة حوله فلا يراه الأعداء، ولكن الطيور البالغة تستطيع تمييز بيضها عن بيض الطيور الأخرى. بعضها يضعه في فجوات بالأشجار ، والبعض يضعه في أعشاش يسهر على حمايتها. وليست كل البيوض بيضاوية الشكل، فبعضها مستدير بالكامل، وبعضها مدبب من طرفه حتي يدور في دائرة فلا يسقط من مكانه اذا تحرك .
أما الفسيخ وهو البطل الحقيقي ليوم شم النسيم، فقد طاله الاتهام بأنه غذاء غير صحي، إذ أنه سمك غير مطهي يتم تخزينه في الملح بعد أن يترك في العراء أياما، مما يسمح بنمو بعض انواع البكتيريا عليه، فتكسبه الطعم والرائحة المميزين. لكن جاءت الأبحاث الطبية الحديثة لتؤكد أن تناوله قد يكون له فوائد صحية عديدة، وهذا بالضبط ما يتحدث عنه علم “البروبيوتيك”.
وعلم “البروبيوتك” هذا هو العلاج بتناول بعض أنواع الميكروبات، ومعني “البروبيوتيك” هو “مع الحياة” بعكس كلمة “انتيبوتيك” وهو المضاد الحيوي، إذ تعني الكلمة هنا “ضد الحياة”. والعلاج في هذه الحالة يكون بتنمية ميكروب ما في جسم الانسان والاكثار من اعداده. ولا دهشة هنا أو استغراب، فلدينا مفهوم خاطيء أن البكتيريا تتسبب دائما في الاصابة بالامراض، وبالتالي فان المنطقي هو التخلص منها والقضاء عليها، لكن هل يمكنك تصور أنك تضع ميكروبات في فمك عمدا؟ ولماذا؟ نعم ستفعل ذلك إذا كان سيعالجك من أمراض معينة، فبعض هذه البكتيريا المفيدة تقلل من احتمالات الاصابة بسرطان القولون، وتساعد على الشفاء من أمراض عديدة أخرى. ويسمى هذا النوع من العقاقير المحتوية على البكتيريا بالمكملات الغذائية البكتيرية، ومنها بالطبع الفسيخ الشهير. ومن الأمثلة الأخرى للأغذية المحتوية على بكتيريا مفيدة بالاضافة للفسيخ، يأتي الزبادي الذي لا ينكر أحد فائدته، ويحتوي على ميكروب لاكتوباسيلس أسيدوفيلس، وميكروبات أخرى مقاربة لها تأثير رائع في تحسن عملية الهضم في الأمعاء.
يتكامل مع الفسيخ والبيض الملون تناول الأوراق الخضراء، وهي تنمو في فصل الربيع الذي يأتي فيه شم النسيم، وهذه بالطبع غنية بالفيتنامينات المتعددة ومضادات الأكسدة والألياف التي تحافظ على صحة الجهاز الهضمي.
لكن هل يا ترى سيحتفل المصريون بشم النسيم بنفس حماسهم له في القديم، أم أن هذا العيد القومي سيتعرض للهجمة السنوية التي تحاول النيل منه، حيث أنه اليوم الذي يوحد بين المصريين جميعا دون استثناء، فقد جاء قبل الأديان، وقبل أن تفرقهم الادعاءات التي ليست من الدين في شيء. وهل سيصمد شم النسيم أمام الأزمة الاقتصادية أم يسقط أمامها عندما يفشل المواطن المصري البسيط في شراء الفسيخ والبيض والملانة لضيق ذات اليد، كما أن المصري البسيط لا يستطيع أن يخرج الى الحدائق لضيق الأرض أمامه وانقراض مساحات الحدائق، وتلوث الجو في كل مكان حتى أن مجرد استنشاق الهواء أو “شم النسيم” يحمل معه مخاطر صحية عديدة. أرجو ألا أكون قد قلبت عليكم المواجع، وكل شم نسيم وأنتم طيبون.