يرى الطب الصيني الانسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة، وفي حالة تفاعل شديد مع بيئته. والطبيعة هي في حالة دائمة من التغير والتطور المستمر. وهكذا، فان النبات ينمو بصورة حيوية نتيجة لتغير الفصول، وبصورة شبيهة فان الانسان يمر بمراحل مختلفة من النمو في حياته منذ مولده، ثم نموه، وصولا الى حالة النضج حتى موته. ورأي الفلاسفة الصينيون القدماء أن هذه التغيرات هي شيء موروث ينسجم مع الطبيعة، التي يطلق عليها اسم "داو" . وقوى الطبيعة موجودة دائما في صورتين متقابلتين مثل الضوء والظلام ، والليل والنهار ، والبرد والحر.
وهذا التقابل بين القوى يشبه قطبين متماثلين ومتكاملين ومتوازنين ولكنهما غير متعارضين. وفي الفلسفة الصينية سميت هاتان الحالتان أو هذان القطبان لقوى الطبيعة "ين ويانج"، ومن خلال التوتر الحاصل بين هذه القطبين وجدت كل الأشياء في الطبيعة. وقانون القطبية أو "ين ويانج" يحكم كل زوج من الأمور المتقابلة في الطبيعة: فهناك الليل (ين ) والنهار (يانج )، والأنثي (ين) والذكر (يانج)، والبرد (ين) والحر (يانج)، والماء (ين) والنار (يانج) ، والسلبي (ين) والايجابي (يانج) . والين واليانج بالرغم من تعارضهما الا أنهما ليسا خاملين وانما هما في حالة حركة مستمرة ، فالليل (وهو ين ) يتلاشى فيصبح نهارا ( يانج )، واذ يتلاشى النهار (يانج) يمسي ليل (ين) ، فهما يتغيران كل منهما للحالة الأخرى ، وهما مستقلان، كما أنهما متوازنان أي يوازن كل منهما الآخر .
اليانج في الأصل هو كل ما هو مرئي بوضوح كما لو كان مضاء بالشمس ، فيما يكون الين هو كل ما يصعب رؤيته ، وموجود في الظل. وهذه النظرية الفلسفية الصينية القديمة مازالت تصلح للتطبيق في عالمنا المعاصر. ان اليانج والين هو كل ما نراه وما لانراه، عندما يأتي ليمثل كل أشكال القطبية أو التناقض. ولقد اختار قدماء الفلاسفة الصينيون اليانج والين لأن النور والظلام كانا القطبين المبدأيين في الكون . وفي الحقيقة فان الأمر يبدو مثل الوقوع في خطأ توقع شيء ما، عندما تعتقد شيئا عن الدنيا ثم تحدث المفاجأة عندما تري ما خفي عنك .
بعد هذه المقدمة نشير الى أن الماكروبيوتك (وهي كلمة من مقطعين وتعني الحياة العظيمة) هي نظام شامل للتغذية والتدريبات البدنية، وللتغذية في هذا النظام حديث آخر، لكننا سنركز مقالنا على بعض الأفكار الأساسية للتدريبات البدنية في الماكروبيوتيك ، وهي أساسا تدريبات للتنفس . وأرجو أن يتسع صدر القارئ وهو يتابع معي بصبر خطوات هذه التدريبات ، التي سيجدها مفيدة عندما يبدأ في ممارستها .
وكما هو معروف فجوهر اهتمام الماكروبيوتيك هو الطاقة وهي قوة الحياة في الكون ، التي يمكن رؤيتها في كل مكان في الطبيعة. وهذه الطاقة تظهر بوضوح في الحالتين المتقابلتين (أو القطبين) ين ويانج:
يانج |
ين |
الضوء | الظلام |
القوة | الليونة |
الذكر | الأنثى |
الايجابية | السلبية |
المادية | الروحانية |
العالم الواقعي | العالم المثالي |
ولممارسة تدريبات الطاقة أو تغير القطبية حسب الفلسفة الصينية في الماكروبيوتيك فان المطلوب هو تواجد :
يانج : وهو العالم الحسي المرئي ، أو القطب المتمركز بعيدا عن مركزك الذاتي ، وهو يتدفق بعيدا عنك ، مثل الجو المحيط بك .
ين : العالم غير المرئي الذاتي ، وهو القطب المتوجه اليك ، وهو يتدفق الى داخل مركزك الذاتي ، مثل الهواء الذي تتنفسه من الجو المحيط .
مكان الممارسة : ويستحسن أن يكون في الهواء الطلق ، حيث الهواء النظيف ضروري ، والمكان مناسب لممارسة التدريبات .
التدريب الأول :
1. يتم التدريب خلال المشي السريع أو الهرولة .
2. يبدأ تدريب يانج – ين بالخطو بالقدم اليسرى مع بدء الشهيق بينما تردد في سرك كلمة ين (شهيق ) . استمر في الشهيق مركزا الذهن في كلمة ين لمسافة 3 خطوات (شمال –يمين – شمال ) .
3. بعد ذلك ، مستعملا القدم اليمني ، ابدأ في الزفير مفكرا في كلمة يانج (زفير) . استمر في الزفير لمدة 3 خطوات (يمين – شمال – يمين ) .
وهكذا ، فالأمر سهل للتنفيد ، شهيق (ين) شمال – يمين – شمال ، ثم زفير (يانج) يمين – شمال – يمين .
ويقترح المدربون الصينيون أن تفكر في كلمات الين واليانج وأنت تحاول أن تشعر بمعناهما، أي بالقطبية وهو تتغلغل فيك، ثم وهي تتباعد عنك. مع التركيز في الهواء وأنت تفعل ذلك . استعمل كلمتي ين ويانج كعدسات مكبرة للتركيز على العلاقة بين القطبين (الين واليانج ) من تقابل وتكامل وتواصل . وهكذا استمر شهيقا و زفيرا وأنت تهرول أو تمشي بخطوات سريعة. واذ تتسارع الخطوة، فان الين واليانج يتسارعان أيضا، ويتسارع التنفس ، وتتسارع الأقدام، وتتسارع ضربات القلب، ويتسارع نشاط المخ . وهكذا فان كل هذه الأشياء تعمل معا في تناغم متكامل . شهيق وزفير، دخول وخروج، شمال ويمين.. هكذا طوال الطريق.
وعندما تشعر أن الأمر يستمر في نعومة ويسر ، جرب أن تتثاءب مرة أو اثنتين مما يزيد احساسك بمتعة التدريب .
التدريب الثاني :
بعد أن تمارس التدريب الأول لمدة عشرين دقيقة يوميا، ولمدة يومين أو ثلاثة، فإن ممارسته ستصبح شيئا تلقائيا بمجرد التفكير في كلمتي ين ويانج أو شهيق وزفير. ولكن إحذر، ذلك أنه بمجرد الشعور بتلقائية التدريب ستكون تلك هي بداية الفشل . اذ فجأة ستكتشف أنك تردد الكلمات فيما تنسى التركيز في معانيها . وقد تخلط بين الخطوات والكلمات. لذا فان التدريب الثاني سيصعب الأمور قليلا حتي يعود مخك الى التركيز فيما تفعله، وحتي يعود التناغم بين العقل والجسم من خلال التدريبات .
1. فكر في الهواء الذي يدخل في رئتيك (ين ) وأشعر برئتيك وهما تتمددان . وأيضا فكر في الهواء وهو يخرج منهما (يانج )، وفي رئتيك وهما تنقبضان .
2. ركز في هذا الأمر لبرهة، ثم ركز على صدرك وهو يتمدد في حالة الشهيق، وأيضا وهو ينقبض في حالة الزفير .
3. لزيادة الاحساس بانبساط الصدر وتمدده، حاول تحريك ذراعيك الى الجانبين عندما تستنشق الهواء، لايجاد مساحة أكبر للرئتين، ثم ارجع ذراعين جانبا عند الزفير.
4. ركز على سريان الهواء ، تتمد الرئتان (ين ) شمال – يمين – شمال ، ثم تنقبض ( يانج ) يمين – شمال – يمين .
5. بعد ذلك خفف سرعة الخطوات، وركز الفكر في تغير القطبية بين الين واليانج توقف في حالة شهيق أو زفير ثم أبدل الوضع.
6. فكر في الوضع هكذا: أنت تمدد صدرك للخارج بينما يدخله الهواء . ثم أنت تقبض صدرك للداخل بينما يخرج الهواء. فكر في التغير المتزامن للقطبية، وحاول أن تشعر بها. أنت تتنفس للداخل (ين) ثم تزفر الهواء للخارج (يانج ).
بعد ممارسة هذه التدريبات لعدة أيام، ستشعر باحساس لذيذ وسهل، متناغم وذو ايقاع . ستشعر بايقاع تغير القطبية بين الين واليانج، شهيقا وزفيرا مع خطوات المشي، وسيزداد احساسك بقطبي الطاقة وهما يتغللان في جسدك .
وأنت تتنفس ، فكر أنك تأخذ الهواء من الجو، وعندما يتمدد صدرك فان الهواء يندفع من الجو الى داخلك(ين من وجهة نظرك ) . وفي نفس الوقت – من وجه نظر الجو – فأن الهواء يتركه ويخرج منه ( يانج ). بينما عندما تزفر الهواء وينقبض صدرك، فان الهواء ينتقل الى الجو الخارجي ( ين – الى الداخل من وجهة نظر الجو، بينما هو يانج من وجهة نظرك أنت )، وهكذا فان الين واليانج بالنسبة لك هو يانج وين بالنسبة للجو. ستجد أن هذه التجربة ، مع الجري أو المشي السريع، ستعطيك احساسا جسديا بأمور أساسية تجعلك أكثر ادراكا للعلاقة مع الطبيعة. و ستشعر بالقوي الأساسية للين واليانج على كل المستويات، على مستوى تبادل الذرات والجزيئات، وعلى مستوى نشاط الخلية، وعلى مستوى الرؤية الذهنية للقوى القطبية، وأيضا ستحصل على الصحة والمتعة من خلال ذلك.
ان ممارسة تدريبات التنفس بهذه الطريقة ، التي أرجو أن أكون قد وفقت في تبسيطها ، سيساعد العمليات الحيوية في الخلايا والأنسجة والأعضاء في جسم الانسان. ومع استيعاب الأفكار الأساسية للماكروبيوتيك في اعداد الغذاء وطهيه ، وايضا في تمرينات التنفس ، فان الانسان سيشعر بالفرق في الصحة والحيوية مع هذا النظام الشامل.