متى يكون الطعام غذاء ومتى يكون سما؟ ان تعريف السم هو: “طبيا: أي مادة تدخل الجسم أو تتكون فيه، وتتسب في – أو يمكن أن تتسبب في – حدوث مرض. وفيزيائيا: أي مادة تثبط نشاطا لعنصر مساعد (هو مادة كيميائية أو انزيماتية بسيطة) ينشط تفاعل ما”. ويعطي القاموس تعريفا أوسع للسم وهو: “الذي يحدث تأثيرا ضارا للجسم”.
ولقد صنف العلماء السكر المكرر بوصفه سما لأنه جُرِّد من قواه الحيوية والفيتامينات والمعادن. وما ترك فيه هو مادة كربوهيدراتية نقية ومكررة. ولا يستطيع الجسم أن يستعمل المواد النشوية المكررة والكربوهيدرات مالم تحتوي على البروتينات والفيتامينات والمعادن التي كانت موجودة بها قبل التكرير وتم تجريدها منها. فالطبيعة تمد هذه العناصر في كل نبات بكميات كافية للتمثيل الغذائي للكربوهيدرات في هذا النبات بالذات. والتمثيل الغذائي الناقص ينتج عناصرا سامة مثل حمض البيروفيك، والسكريات غير الطبيعية المحتوية على خمسة ذرات من الكربون. ويتراكم حمض البيروفيك في المخ والجهاز العصبي، بينما تتراكم السكريات غير الطبيعية في خلايا الدم الحمراء. هذه المواد السامة الناتيجة تتدخل في تنفس الخلايا، فلا تحصل على كميات اكسجين كافية للحياة والعمل بصورة طبيعية. وبمرور الوقت تموت بعض هذه الخلايا، مما يؤثر على وظيفة جزء من الجسم وبداية الأمراض التي تدمره.
السكر المكرر سام عندما يتناوله البشر لأنه يمدهم بمواد غذائية توصف بأنها سعرات فارغة أو عارية، فهي تفتقر للمعادن الطبيعية الموجودة في بنجر السكر أو قصب السكر. بالاضافة لذلك فان السكر أسوأ من أي شيء آخر لأنه يستنزف الجسم من الفيتامينات الثمية والمعادن الهامة من خلال احتياجه لها في عملية الهضم وازالة السموم والتخلص منها في كل اجهزته.
لذا فان التوازن في اجسامنا للحماية ضد الصدمة المفاجئة الناتجة عن تناول كميات كبيرة من السكر. فيحتاج الجسم الى الصوديوم (من الملح) والبوتاسيوم والمغنسيوم (من الخضراوات)، والكالسيوم (من العظام) لكي تنتقل وتستعمل في عمليات التحور الكيميائي، فتنتج الأحماض المتعادلة في محاولة لعودة التوازن القلوي الحمضي في الدم لصورة طبيعية.
السكر الذي يتم تناوله يوميا ينتج حالة أكثر حمضية في الجسم الذي يحتاج الى كميات متعاظمة من المعادن من داخل الجسم لمحاولة استعادة التوازن. وفي النهاية، ولحماية الدم، يتم سحب كميات كبيرة من الكالسيوم من العظام والأسنان التي تصاب بالتسوس، ويبدأ الشعور بالوهن والضعف العام.
إن الكميات الكبيرة من السكر تؤثر في النهاية على كل عضو بالجسم. بداية، يتم تخزينه في الكبد في صورة جلوكوز (جليكوجين أو نشاء حيواني). وبما أن قدرة الكبد على التخزين محدودة، فان التناول اليومي للسكر المكرر (وهو أكثر من الكمية المطلوبة من السكر الطبيعية بالطبع) تجعل الكبد يتمدد بسرعة مثل البالون. وعندما يمتلئ الكبد الى حدود قدرته النهائية، يعود الجليكوجين الزائد الى الدم في صورة أحماض دهنية. وهذه يتم سحبها الى كل جزء في الجسم حيث تخزن في أقل المناطق نشاطا وهو البطن أو الكرش، والمؤخرة والصدر والفخذين.
وعندما تمتلئ هذه المخازن غير الضارة نسبيا، تتحول الأحماض الدهنية الى الأعضاء النشطة مثل القلب والكليتين، وهذه بدورها تتأثر فتبدأ في الانهيار، وفي النهاية تتدمر أنسجتها وتتحول الى دهون. وهنا يتأثر كل الجسم بانخفاض قدرتها، فيرتفع ضغط الدم، ويتأثر الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، مما يجعل الأعضاء المرتبطة به تتأثر، مثل المخيخ الذي يفقد نشاطه ويصاب بالشلل.
بعد ذلك يتم غزو الجهاز الدوري واللمفاوي، وتبدأ نوعية كرات الدم الحمراء في التغير، وتزداد كمية خلايا الدم البيضاء، وتبدأ عملية بناء الأنسجة في التباطؤ. أما قدرة الجسم على الاحتمال وقوة المناعة فتصبح أكثر محدودية، لذا فاننا لا نستجيب بصورة صحيحة للهجمات القوية مثل البرد والحرارة، وحتى لسعات البعوض أو الاصابات الميكروبية.
ان تناول كثيرا من السكر له تأثيرات ضارة للغاية على وظائف المخ. ذلك أن المفتاح لوظائف متوازنة للمخ هو حمض الجلوتاميك، وهو مادة ضرورية موجودة في كثير من الخضراوات. ويلعب فيتامين B المركب دورا كبيرا في تكسر حمض الجلوتاميك الى مركبات متكاملة ومتضادة. وهذه الفيتامينات تنتجها البكتيريا المفيدة التي تعيش في الأمعاء. وعندما يتم تناول السكر المكرر بصورة يومية، تذبل هذه البكتريا وتموت، ويصبح مخزوننا من فيتامينات B محدودا للغاية. وهذا يفسر لماذا يتسبب الكثير من السكر في الخمول والكسل، وتضيع قدرتنا على القيام بالعمليات الحسابية أو التذكر.