وقف “سعيد” أمام عربة الفول وقت الصباح الباكر، وصاح في “عم شعبان”: "واحد فول بالزيت الحار”.. لم يكد “سعيد” يتم كلمته حتى كان طبق الفول الشهي قد وضع أمامه، ومعه بصل أخضر وفلفل حار، ورغيفين من الخبز الطازج.. التهم “سعيد” الطبق بسرعة البرق، وعاود الصياح في “عم شعبان”: “واحد كمان يا عم شعبان.. بسرعة قبل البطن ما تغضب!”
شاهدت هذا المنظر متأملا، وأخذت أحلل كعادتي.. وقد غلب علىَّ طبعي كطبيب تغذية. وسألت نفسي ما معنى غضب البطن الذي كان “سعيد” يسابقه قبل أن يحل عليه؟
يشعر الانسان بالجوع عندما ينخفض مستوى السكر بالدم، ويشعر بالشبع عندما يرتفع المستوى على درجة معينة.. وعندما اقبل “سعيد” على طبق الفول والتهمه بسرعة في أقل من خمس دقائق، لم يتح لأمعائه قدرا كافيا من الوقت للهضم والامتصاص، وبالتالي لم يتغير مستوى سكر الدم من حالة الجوع الى حالة الشبع، إذ يستغرق هذا وقتا قد يصل الى 15 دقيقة في وجبة خالية من السكريات مثل الفول والخبز والسلطة الخضراء. لكن “سعيد” يخشي غضب البطن، أي توقفها عن تلقي المزيد، وهو بالطبع لا يدرك أن الابطاء في تناول الطعام، أو في الحصول على طبق الفول الثاني سوف يؤدي الى رفع مستوى السكر بالدم مما يشعره بالشبع، فتغضب البطن كما يعتقد، وترفض استقبال طعاما بعد الاحساس بالشبع.
ماذا نتعلم من هذا؟ وماذا يستفيد الراغب في خفض وزنه من ظاهرة “غضب البطن” هذه؟ نتعلم أن نتناول طعامنا ببطء ونمضعه جيدا، وننتظر بين اللقمة واللقمة، حتى نتيج للامعاء هضم وامتصاص الطعام، فنشعر بالشبع ولا نأكل أكثر مما نحتاجه، مما يؤدي الى زيادة الوزن.
لكن، هل معنى هذا أن نتناول سكريات لكي تمتص بسرعة فنشعر بالشبع بسرعة؟ هذا أيضا خطأ كبير، فالسكريات المباشرة تصل الى الدم في خلال 5 دقائق، بكميات أكبر من أن يستعد لها الجسم فيدفع البنكرياس بدفقة انسولين غير محسوبة للتعامل مع هذه السكريات المتدفقة، مما يؤدي الى انخفاض مستوى السكر بسرعة بعد ارتفاعه، وهذا أيضا يقود لجوع أشد، وبالتالي رغبة أقوى في تناول مزيد من الطعام، مما يؤدي الى مزيد من الزيادة في الوزن.
والحل؟ الحل هو أن نتناول طعامنا بهدوء وبطء وتلذذ، ولنتذكر أن غضب البطن ليس خطأ، وان كان تفسيرا خاطئا من البعض لظاهرة الشبع، وإنما هو حكمة الجسد التي تحاول انقاذنا من شر أنفسنا ونحن لا ندري.