إتصل بي معد برامج بالاذاعة المصرية، طالبا مني بأدب شديد أن أشارك في بعض البرامج الاذاعية المتعلقة بالتغذية في شهر رمضان الكريم. سعدت بالدعوة طبعا، واتفقنا على موعد التسجيل:
المعد: سنسجل من سبع لعشر حلقات مرة واحدة.
أنا: (مندهشا من الرقم) مش كتير؟
المعد: لا.. الحلقة ها تكون حوالي عشر دقايق.
أنا: يعني ها ناخد وقت قد ايه؟
المعد: بتاع ساعتين كده.
أنا: المهم يكون بعيد عن مواعيد العيادة بتاعتي. مواعيد العيادة مقدسة.
المعد: يناسبك الساعة 12 الضهر يوم الثلاثاء القادم؟
أنا: مفيش مانع.
يوم الثلاثاء استيقظت مبكرا، كعادتي في الاستعداد لشيء هام.. عملت حسابي في زحمة الشوارع وخرجت قبل الميعاد بساعة. وعند وصولي لمبني الاذاعة والتليفزيون، اتصلت بالمعد بالمحمول:
أنا: أيوة يا أستاذ ……. أنا وصلت لمبنى الاذاعة والتليفزيون.
المعد: طيب أنا ها انزل لك حالا أقابلك أمام المبنى.
أنا: طيب أركن السيارة فين؟
المعد: فيه موقف سيارات كبير أمام المبني تقدر تركن فيه..
أنا: اوكي.
ذهبت الى بوابة الموقف، وهناك اشاح لي شاب نحيف البنيان بيده اشارة الابتعاد.. سألته عن وجود أماكن فأشار بيديه الاثنتين علامة الرفض.. بدأت في التحرك بالسيارة تحت الحاح أبواق السيارة الغاضبة خلفي.. أفسحت للسيارات خلفي فوجدتها تقف بأناقة أمام بوابة حديدية في سور مبنى التليفزيون، تنتظر الدخول. كلمت المسئول برغبتي في الدخول أنا أيضا..
المسئول: ممنوع.
أنا: بس أنا ضيف برنامج على وشك بدء التسجيل.
المسئول (بابتسامة زائفة): ممنوع.
تحركت قليلا حتى اقتربت من بوابة مبنى الاذاعة والتليفزيون.. رن المحمول فأجبت، وكان المعد على الخط.
المعد: أيوة يا دكتور أنا واقف قدام باب أربعة.
أنا: (مندهشا لأني لا أعرف باب 4 من باب خمسة) أنا مش شايف غير الباب الرئيسي للتليفزيون.
المعد: حضرتك واقف فين؟
أنا: أنا راكب سيارتي وماركتها ……… أيوه هي دي .. وأنا بأشاور لك.
في هذه الأثناء كانت خلفي سيارة تطلق بوق الغضب.. نظرت اليها فوجدتها سيدة تضع طنا من الماكياج على وجهها. رمقتني بنظرة احتقار وهي تقول: إنت سادد السكة..
أنا: سكة ايه؟ أنا عاوز أركن السيارة.
هي: أنا عاوزة أركن أنا كمان.
أنا: بس أنا جيت قبلك.
هي: أنا معايا اشتراك.. حتى شوف أهه!
كان مسئول الجاراج يشير لي بيده بالابتعاد كما لو كنت كلبا أجربا. أغضبتي إشارته، فقلت له:
أنا: الجاراج دا تبع مين؟
هو: المحافظة
أنا: بس دا قدام مبنى الاذاعة والتليفزيون ومفروض يكون تبع التليفزيون.
هو: اللي جاي للتليفزيون بيدوله تصريح يخش يركن سيارته جوه سور المبنى.
اندهشت للغاية. ففعلا هذا ما يجب أن يكون.. ومن مواصفات الاعداد الجيد للبرامج ترتيب وصول الضيف بصورة مريحة. فالفضائيات مثلا عندما تستضيفني ترتب لي سيارة تأخذني من بيتي الى مقر القناة الفضائية، ثم تعود بي بعد الانتهاء.
كان المعد قد وصل لسيارتي. قالي لي مندهشا:
المعد: انت ما ركنتش العربية في الموقف ليه؟
أنا: حاولت وقالولي مفيش مكان.
المعد: إزاي دا.. أنا ها أكلم المسئول.
ذهب المعد ليحاديث المسئول، ووضح أن مسعاه باء بالفشل.. فذهب يدور في الشوارع الضيقة المحيطة بمبنى الاذاعة والتليفزيون ملتمسا مكانا لسيارتي.. عاد بعد دقائق الى حيث أقف بسيارتي:
المعد: خلاص يا دكتور اتحلت.
أنا: ازاي؟
المعد: (وقد ركب بجواري في السيارة) ها تمشي يمين وبعدين شمال، وبعدين تكسر شمال في يمين وتركن في الشارع الجانبي دا.
لاحظت في ذلك الوقت السيارات التي تقف في أناقة وهدوء أمام بوابة التليفزيون فتفتح لها البوابة باحترام. المفروض أني هنا لأقدم خدمة (مجانية بالطبع) للاذاعة، ولا أطلب أكثر من معاملتي كإنسان.
أنا: (وقد شعرت باهانة) طيب ليه ما رتبتش استخراج تصريح دخول لسيارتي..
المعد: إن شاء الله.
أنا: يعني أنا أضحي بوقتي في القيادة في الشوارع، وبعدين ساعتين تسجيل، وأنتوا ما تحاولوش تعملوا اللي عليكم؟ إما أن تدخلوا سيارتي داخل أسوار المبنى أو أعتذر عن المشار كة بالبرنامج.
المعد: طيب المرة دي اركن في الشارع الجانبي!
أنا: أسف جدا.. أعتذر عن المشاركة.
المعد: (بأدب أعترف به) بس ما تكونش زعلان يا دكتور.
أنا: لا طبعا.. أنا زعلان وستين زعلان.. وعارف إني ها أتفلق.
وانطلقت بسيارتي لا ألوي على شيء.
(صورة طبق الأصل لما حدث اليوم الثلاثاء 18 أغسطس 2009)