اختلف الزمن في هذه الحياة .. يبدو أنه أصبح يجري بمعدل أسرع من السابق .. نحتفل بمقدم العام الجديد ثم تمر الأيام ويقبل الصيف وتبدأ الأجازات .. ثم العودة للمدارس ثم الاستعداد لنهاية العام .. وهكذا تنتهي السنة ويضاف رقم آخر لسنين العمر .. هكذا .. بكل بساطة ..
في طفولتنا أحببنا كثيرا أن نكون كبارا .. وكنا نحدد أعمارنا بالكسور .. عمري ست سنوات ونصف .. قارن هذا الرد بشخص بالغ .. لن تجد من يقول أن عمره ست وثلاثون سنة ونصف .. ست سنوات ونصف وسصبح عمري سبعا قريبا .. وفي سن المراهقة تجيب على من يسألك عمرك أنك ستصبح 16 سنة قريبا .. وقد يكون عمرك وقتها 13 سنة .. ولكنك ستصبح 16 خلال فترة ما .. ثم يأتي أعظم يوم في الحياة عندما تكمل الواحد وعشرين عاما .. سن الرشد .. يا للجمال .. ولكن عندما تكمل الثلاثين .. أووه .. هنا تضيع البهجة .. ما الذي تغير ..؟ أصبحت 21 ثم 30 وها أنت تقترب من الأربعين .. تريد أن تجذب الفرامل وتوقف الأيام .. ولكنك تنزلق بالرغم منك .. وقبل أن تدرك ذلك أنت على مشارف الخمسين .. وراح العمر يا ولدي .. وذهبت الأحلام أدراج الرياح .. ولكن انتظر قليلا هناك الستين أيضا .. 21 .. 30.. 40.. 50 .. وكمان ستين ؟ .. لا فائدة .. الفرامل لا تعمل .. والسرعة تزيد .. واذا سمح الله لك باستمرار العمر فستجد نفسك تصطدم بالسبعين .. وبعد السبعين تبدأ الحياة يوما بيوم.. حتي تصل الى الثمانين .. وهنا يصبح اليوم دورة كاملة .. حان وقت الغذاء .. الساعة السادسة والنصف .. حان وقت النوم .. ولكن الأمر لم ينتهي بعد .. ها أنت تبلغ التسعين .. اثنان وتسعون .. هوب .. مائة .. وبعدها تعود طفلا صغيرا من جديد .. عندي مائة سنة ونصف .. وهكذا يبدأ الاهتمام بكسور السنة مرة أخرى مثلما كنت طفلا في السادسة والنصف .. ذلك أن بلوغ هذا الكسر هو انجاز ضد نواميس الطبيعة ..
تلك هي الحقيقة .. ولكن هل نترك الأمور تفلت من بين أيدينا هكذا ؟ .. لماذا لا نفكر في طريقة أخرى لعد سنين الحياة ؟ تمر الأيام ونكبر في العمر ولكن الخافق المعذب الذي يستقر في الصدر لا يعترف بالسن .. يستمر في الحب والوقوع ضحية لتأثيراته الفياضة .. مسكين أيها القلب .. تعمل مثل صراف البنك الذي تجري بين يديه ملايين الجنيهات .. ثم يتسلم مرتبه آخر الشهر بضعة مئات .. تضخ مئات الليترات من الدم بكل كرم واريحية .. ويغذيك شريان تاجي بخيل محدود الامكانيات .. اذا تصلبت جدرانه أصبت أنت بالذبحة .. واذا انسد مجراه أصبت بالموت الجزئي أو الكلي .. ولكنك مع ذلك تستسلم للحب في أي وقت .. تضطرب ضرباتك .. تنفعل نبضاتك .. ولا علاقة لذلك بالعشرين والاربعين والخمسين..
حاول البشر كثيرا حل معضلة التقدم في العمر .. ليس فقط بالوقوف بالعمر حيث هو .. بل والعودة الى الوراء أيضا .. فكانت أسطورة ينبوع الشباب .. الذي حاول زوجان متقدمان في السن أن يجداه حتى يعودا الى الشباب .. وبعد معاناة طويلة ليس هذا مكان سردها ، تمكنا من الوصول الى هذا الينبوع السحري .. وبخوف وتردد شرب الرجل أولا وانتظر قليلا ليجد أنه عاد شابا يافعا جميلا قويا .. وما أن شاهدته زوجته العجوز حتى راحت ترتشف من ماء الينبوع بلا ترفق .. ويبدو أنها أكثرت من الشرب لدرجة أنها عادت الى الوراء سنين كثيرة فأصبحت طفلة تحبو .. ولم يجد زوجها المذهول حلا الا أن يحملها الى صدره وأن يبدأ في رعايتها في انتظار أن تكبر قليلا حتى يحين الوقت الذي يمكن أن يعودا فيه زوجان محبان يعيشان قصة حب مجددة ..
ونحن الآن لا نملك مياه ينبوع الشباب .. ولكن هذا لن يوقفنا .. فلماذا لا نتبنى طريقة جديدة نقلب بها طريقة حساب العمر رأسا على عقب ؟ .. لقد اكتشف علماء الفيزياء أن هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء .. وحسبما قال أخونا العزيز “اينشتين” انه في حالة وجود مثل هذه السرعة الفائقة فاننا نستطيع أن نرجع بالزمن الى الوراء .. أي أن “نتمشي” في الزمن ذهابا وايابا .. ما أحلى هذه الفكرة ؟ .. تماما مثلما يحدث في أفلام سوبرمان عندما يستطيع أن يعيد الزمن الى الوراء فيصلح بعض الأحداث ثم يعود مرة أخرى الى الحاضر .. وبناء على هذه الأفكار – التي لم أكن فيها تحت تأثير أي مخدر – فقد فكرت في نظرية جميلة .. وهي أن مرور عام جديد لن يزيد العمر بمقدار سنة واحدة بل سوف ينقص من هذا العمر بمقدار سنة .. وهكذا انت تبلغ من العمر أربعين عاما .. وفي عيد ميلادك القادم .. سنة جديدة .. لن تضاف هذه المرة بل ستطرح وهكذا سيكون عمرك تسعة وثلاثون فقط .. سهلة .. أليس كذلك ؟ وهكذا .. حتى تبلغ من العمر .. ولكن مهلا .. هناك مشكلة .. فقد تصل الى العمر الذي فيه يضطهدك الجميع .. افعل كذا .. لا تفعل ذاك .. ذاكر ياولد .. أي سوف تعود الى العمر الذي كنت فيه عبدا للجميع وأولهم الوالدين .. ليس مثل أطفال هذه الأيام حيث يعمل الوالدين خدما لهم .. يقودون السيارات لكي يوصلونهم الى أماكن المدارس والدروس الخصوصية ومدرس الموسيقى ومدرب الكرة .. تحت وهم أنهم سيكونون من المتفوقين في كل شيء .. ومن الموهوبين في كل الفنون .. وأيضا لاعبي كرة مشهورين .. ويصبر الوالدين في انتظار تحقيق هذا وجنى الأموال الطائلة من تهريب الولد النجم الى ناد مشهور في أوربا بعيدا عن النادي المحلي الذي يلعب له .. وطبعا ستكون هناك مشاكل يتدخل فيها الفيفا ثم يصير العقد باليورو وتنحل كل المشاكل .. وضعك بعد العودة للطفولة سيكون مختلفا .. فقد لا تجد والديك الذين لم ينتظرا ابتكار هذه النظرية المثيرة .. وستصبح مسئولا عن اعالة نفسك في هذه السن الصغيرة مما قد يضطرك الى بيع المناديل الورقية في اشارات المرور ..
سنجد حلا لهذه المشكلة الصغيرة .. سيتناقص عمرك حتى تصل الى العمر الذي تجده مناسبا ثم يتم تثبيتك فيه .. صحيح أننى لم أصل الى معادلة التثيبيت بعد في نظريتي الجديدة ولكني في الطريق للوصول اليها .. وحتى أصل الى المعادلة الصعبة فاننا نستطيع تبني بعض الأفكار التي سوف تبقينا شبابا الى الأبد ..
أولا يجب أن تلقي بكل الأرقام خلف ظهرك .. كلها بلا فائدة .. أرقام العمر والوزن والطول وضغط الدم ومعدل سكر الدم .. دع الأطباء يقلقون بشأنها .. فهم يتقاضون “الفيزيتة” من أجل هذا .. احتفظ فقط بالأصدقاء المرحين البشوشين الذين يدخلون البهجة الى الحياة ويلونوها ويعطروها .. فالتعاسة معدية .. والاحباط يجرجرك الى الأسفل .. واستمر في التعلم .. تعلم الكمبيوتر .. والفنون .. ومارس هوايات جديدة .. افعل أي شيء بحيث لا تدع عقلك ساكنا .. فالمثل يقول أن العقل الخامل هو ورشة الشيطان .. وخمول العقل هو ورشة الاصابة بمرض “الزهايمر” أيضا .. تمتع بكل الأشياء البسيطة في الدنيا .. اضحك طويلا وبصوت عال .. اضحك حتى ينقطع نفسك .. قد تبكي أحيانا .. وقد تحزن .. ولكن استمر في الحياة .. فالشخص الوحيد الذي يصاحبنا طوال حياتنا هو أنفسنا .. لذا تمتع بالحياة طالما كنت حيا .. ضع لنفسك أهدافا جديدة كل يوم .. يجب ألا يمر يوم بدون اضافة معلومة أو تعلم شيء جديد أو قراءة صفحة جديدة من كتاب أو مجلة أو حتى جريدة ..
اعمل على احاطة نفسك بكل ما تحب .. العائلة .. الموسيقى .. نباتاتك .. حيواناتك الأليفة .. الكتب التي تقرؤها ..هواياتك .. فمنزلك هي موضع راحتك ..
واذا تكلمنا ببعض الجدية .. فان دراسات العلماء الحديثة توصلت الى أن العمر يمكن أن يمتد بالانسان الى ألف عام .. حيث أن الشيخوخة ليست قدرا محتوما على الخلية البشرية .. ولكنها مرض يمكن أن يعالج وأن يشفى .. ولقد استطاع العلماء أن يطيلوا من عمر دودة لاتعيش أكثر من تسعة أيام بحيث أصبحت تعيش الى 45 يوما ، وبتطبيق هذه الدراسة على البشر فهذا يعني أن عمر الانسان يمكن أن يصل الى 450 عاما .. ووقتها ستكون السبعين هي بداية الشباب والمائة وخمسون هي سن النضج .. ولقد عرف العلماء أن الشيخوخة تتركز في مصنع الطاقة في الخلية وهو جسيم يسمى “الميتوكوندريام” ، وبمنع أكسدة هذا الجسيم فان مصنع الطاقة يستمر في العمل فلا تصاب الخلية بالشيخوخة .. ولقد توصل العلماء بالفعل الى المواد التي تستطيع وقف انهيار الميتوكوندريام وبالتالي الى وقف الشيخوخة أو ابطائها الى أقصى حد .
وفي النهاية نقول .. اهتم بصحتك .. حافظ عليها في حالة جيدة .. واعمل على تحسينها ان كنت تعاني من شيء .. وأطلب المساعدة اذا كنت الصحة معتلة من شيء ما .. أخبر من تحبهم بحقيقة مشاعرك .. وأنك تحبهم .. في كل مناسبة .. واستمر في ممارسة ما تحبه في الحياة طالما كان هذا في الامكان .. وتذكر دائما أن الحياة لا تقاس بالأرقام ، أو بعدد الأنفاس التي نخطفها.. ولكنها تقاس باللحظات التي تخطف منا الأنفاس ..