من بين زبد البحر الثائر المتقلب وأمواجه العاتية، تبدت صدفة محارة هائلة الحجم، رائعة المنظر، ووسط انبثاقات أنوار عجيبة، انفتحت الصدفة بنعومة، ومنها خرجت للعالم أفروديت ربة الحب. حدث هذا منذ خمسة آلاف سنة كما تحدثنا أساطير الأغريق القديمة. ومن وقتها غرق العالم في بحار الحب المدهشة. ومع وجود أفروديت الجميلة في العالم، بدأت في استثمار قواها العظيمة في نشر الحب بين البشر، وهكذا بدأ الحب والعواطف والأشواق، وتحركت المشاعر النبيلة الجميلة بين الرجل والمرأة. |
وراح الحبيب ينجذب في شوق الى حبيبته، متطلعا الى نظرة العين الجميلة، وبسمة الشفاه الرقيقة، وموسيقى الصوت الساحر، وأريج العطر المسكر، ولمسة اليد الحانية، وملامح الشخصية النبيلة. كل هذه الصفات تندرج تحت مايسمي بمجموعة مؤثرات الحب السيكوفسيولوجية (النفسية الوظيفية )، غير أن هناك مجموعة أخرى من المؤثرات التي يمكن أيضا أن تحرك العواطف والمشاعر والأحاسيس بين الرجل والمرأة، وهي مؤثرات ذاتية متصلة بالطعام والشراب بل والعقاقير أحيانا.
وبالرغم من أن أسباب حب شخص لشخص من الجنس الآخر والرغبة فيه لاتزال تعتبر من الأمور الغامضة غير القابلة للتفسير والتعليل، الا أننا نعرف أن مركز الرغبة في هذا الانسان أو ذاك موجود في المخ، وفي منطقة تحت المهاد تحديدا، وقد لا تكون صدفة أنها نفس المنطقة التي تتحكم في شهيتنا للطعام والشراب. ولاعتياد البشر على بعض المغامرة في علاقات الحب والغرام فانه وعلى مر التاريخ كانت هناك دائما رغبة في اغراء الجنس الأخر بوسائل عديدة ومتنوعة كان الطعام واحدا منها. وكما أن هناك وصفات في الحب، فان هناك أيضا وصفات لاعداد الطعام الذي يؤثر في الطرف الذي نحبه ونرغب في أن يبادلنا هذا الحب.
من هنا ظهر طعام الحب أو الطعام الأفروديسي، الذي سمي هكذا نسبة الى أفروديت، وهو أي نوع من الطعام يمكن أن يحرك المشاعر والأحاسيس والعواطف والرغبات المرتبطة بالتقارب بين الرجل والمرأة.
ولكن، هل يمكن للطعام أن يكون عاملا مؤثرا في الحب والرغبة ؟ نعم، فهناك العديد من أنواع الطعام التي استخدمت على مر العصور في زيادة الرغبة والحب بين طرفي علاقة الرجل والمرأة. تذكر الموسوعة البريطانية عن طعام الحب (الأفروديسي ) أنه :
” ردة الفعل السيكوفسيولوجية (النفس وظيفية) لوجبة تم اعدادها جيدا بحيث تؤثر على ذروة الاحساس الانساني باللذة. ان المزج بين مختلف ردود الفعل الحسية، وحالة الرضا لرؤية منظر وجبة شهية، وتأثير رائحتها الطيبة، والطعم الممتع في الفم لأطباق غنية وشهية، يؤدي الى حالة من البهجة الفائضة التي تقود الى اثارة مشاعر الحب والرغبة.”
وأغذية الحب كانت تستعمل في البداية كعلاج لمختلف التوترات والمشاكل المرتبطة بالجنس والقلق من عدم القدرة على النجاح فيه، كما كانت تستخدم لتحسين نسب الخصوبة والقدرة على الانجاب، الذي ارتبط في كل الحضارات بأهمية نفسية واجتماعية بالغة، لذا كانت أغذية الحب في البداية عامل هام في تقوية خصوبة كل من الرجل والمرأة.
ولكن، لماذا يكون لأنواع خاصة من الطعام هذه الصفات المؤثرة في الاحاسيس والمشاعر والعواطف ؟
في العصور القديمة كان هناك فرق بين المواد التي تحسن الخصوبة، والمواد التي تحسن القدرات والرغبات العاطفية والحسية للانسان، بالاضافة الى ذلك كان هناك عامل مهم في هذه العصور السحيقة، وهو عامل التغذية، اذ لم يكن الغذاء متوفرا بالصورة الموجودة في أيامنا هذه. كان نقص التغذية يؤدي الى ضعف القدرات الجنسية كما كان يؤدي الى ضعف الخصوبة عند الاانسان، واعتبر الانسان أن المواد الطبيعية التي تماثل البذور مثل البصل والبيض والقواقع لها قوى جنسية، فيما اعتبر أن هناك أنواع أخرى من الأغذية ذات قوي مثيرة للرغبة نظرا لتشابهها مع بعض أعضاء جسم الانسان.
وذكرت الأساطير بعض الأغذية التي ساد الاعتقاد أن لها تأثير على العواطف والرغبات، فافروديت ربة الحب مثلا كانت تعتبر العصافير كائنات مقدسة لأنها عاشقة بطبيعتها، ولهذا السبب فانها كانت تضيفها الى خلطات الشراب، حتى تزيد جرعة العشق فيها.
لكن الاتفاق لم يكن تاما حول أي من الأغذية التي تمتاز بتأثير حسي وعاطفي وأيها على العكس من ذلك، فالقائمة القديمة لأغذية الحب احتوت على الينسون، والريحان، والجزر، وجذور الجلاديول، وبصل الأوركيد، والفستق، والشمر، واللفت، كما ضمت بعض أنواع السحالي، وقواقع النهر، لكن هذه القائمة اتسعت مع الزمن.
واذ كان البحر مكان ميلاد أفروديت، وواحد من أهم المصادر في الحياة، فليس غريبا أن مخلوقات البحر اعتبرت من العناصر الهامة في الأطعمة المؤثرة على العاطفة والحب والرغبة. ان كل القواقع، وهي من أقوى أطعمة الحب العاطفي والجسدي، تحتوي على الفوسفور والكالسيوم واليود والحديد وفيتامين ب ومادة الجلايكوفوسفات وهذه كلها ضروريات أساسية لطعام حب جيد. وأيضا، كل الأسماك الزيتية مثل السلمون والتونة وسمك القرش، وثعبان البحر، والرنجة والماكريل والسردين، وعديد من الأسماك البيضاء مثل سمك موسى تحتوي على الفوسفور والكالسيوم وفيتامين أ، ب، د، وهي عناصر هامة في عديد من أطعمة الحب والرغبة المتميزة. الا أن القواقع كانت دائما في درجات عليا من التقدير كطعام متميز بالطعم الشهي والتأثير الرائع في مجموعة أطعمة الحب.
غير أنه في كل أنواع أغذية الحب المختلفة لم يتم التعرف على مواد كيميائية معينة يمكن من خلالها تفسير هذه المواصفات الوظيفية المؤثرة في أحاسيس الانسان وعواطفه وغرائزه، لكن البعض أرجع اقتناع البعض بوجود قوى حسية خاصة لأنواع مختلفة من الغذاء الى شكل هذا الغذاء وتشابهه مع بعض أعضاء الجسد ذات الصلة.
ولقد لوحظ في الخمسين عاما الماضية تغير في بعض مواصفات الطعام بصورة جوهرية، مع تغير التوجهات والأفعال في موضوع الحب. فمثلا تغير الاعتقاد في أن قطعة اللحم السميكة التي تقطر دما ولم يكتمل نضجها هي التي تثير الرغبة الجسدية وتعطى القوة، وأصبح الانسان في أوربا يفضل قطعا رقيقة من اللحم. لكننا مع ذكر اللحم نتذكر المغامر والعاشق الشهير كازانوفا ذا الغزوات العاطفية المعروفة، اذ تشير المعلومات الى أنه كان يأكل نوعا من الفيليه يسمى (فيليه دي ساكس ) مع الجبن الروكفور قبل القيام بمغامراته الشهيرة.
وللنباتيين أيضا جانب في موضوعنا هذا. فالبسلة والفول والفجل والخرشوف والخس والكرات والبصل والثوم كلها أغذية ثبت أن لها صفات “أفروديسية” مؤثرة في الحب والاحساس، لكننا ننصح – بكل اخلاص – ألا يحاول أحد أن يتبادل عبارات الحب الرقيقة مع محبوبه بعد أكل البصل أو الثوم مباشرة، وقبل التخلص من رائحته المميزة. ويعتبر نبات الهليون (Asparagus)، الذي ينظر اليه كنبات أرستقراطي بين الخضروات، وجبة ممتعة وذات تأثير مؤكد، وهو نبات يعشقه الناس في ألمانيا، ويدعون أنه له فعل السحر على براعم التذوق في أفواههم، فيما يعرف الخس أيضا كواحد من النباتات المفيدة للخصوبة، حتى أن المصريون القدماء اتخذوه رمزا لاله الخصوبة في مصر.
وعلى ذكر مصر القديمة، كان المصريون يصنعون أدوية تعتمد على العسل لعلاج العقم والضعف الجنسي. كما اعتاد الناس في العصور الوسطى تناول العسل في “شهر العسل” لاعتقادهم أنه يضيف حلاوة الى الزواج. بينما استعمل الصينيون القدماء نبات العرقسوس في صنع بعض الأدوية التي تستعمل في تعزيز مشاعر الحب والشوق واللهفة بين المحبين، ويقال أن تاثير العرقسوس على المرأة أقوى من تأثيره على الرجل. والصنوبر، الغني بمعدن الزنك، والذي يعتبر عنصرا اساسيا في المحافظة على خصوبة الرجل، استعمل في العصور الوسطى كواحد من أهم أغذية الحب، كما كان للفطريات -مثل عيش الغراب – مكانة مميزة في أغذية الحب.
وللفواكه بالطبع دور كبير في أغذية الحب، اذ أنها تبعث على البهجة في الحواس مثل النظر والشم واللمس والطعم. فالتين، مثل القواقع، له تأثير لايضاهى في صفاته الحسية، كما أن السفرجل هو فاكهة مميزة في هذا المجال حتى أن الأساطير تقول أنه كان فاكهة التفاح الأصلية التي أكلتها حواء بعد غواية الحية. و يعتبر الموز أيضا فاكهة حب، وتستخدم زهرته في الفلبين في وصفات أطعمة الحب، وهو غني بالبوتاسيوم وفيتامين ب وهما من المواد الضرورية لانتاج هورمونات الجسم، يضاف الى ذلك فاكهة الأناناس والتوت والفراولة، وكلها غنية بفيتامين ج، غير أن للتوت والفراولة بالتحديد فائدة رومانسية عظيمة، اذ أنهما من الفواكه التي يمكن أن يتبادل المحبين اطعامها باليد لفم الحبيب مباشرة مما يضفي جوا عاطفيا رقيقا.
ويحتاج الحب والتعبير الجسدي عنه لطاقة كبيرة، وهذه الطاقة تكون موجودة بكمية كافية في الأغذية الطازجة غير المطبوخة، حيث تحتوي على معادن وفيتامينات أكثر من تلك التي تعرضت للطهي بالنار. لذا فلكي تكون الصحة العاطفية والحسية في أحسن أحوالها يجب تناول الكثير من الخضروات والفواكه الطازجة، كما ينصح أيضا بشرب شاي الجنسنج المعروف بخواصه المفيدة.
ولا يكتمل الحديث عن أغذية الحب دون ذكر الشوكولاتة، التي أسماها الأزتيك القدماء طعام الآلهة، وهي تحتوي على مواد كيميائية يعتقد أنها تؤثر على الموصلات العصبية للمخ، وبها مواد شبيهة بمادة الكافيين تسمى ثيوبرومين، كما أنها ترفع من مستوى مادة السيروتونين في المخ، وهذا يساعد بدوره على مقاومة الاكتئاب والشعور بالبهجة، لذا فالشوكولاتة تعتبر من أغذية الحب الشهيرة التي يتبادلها المحبين في كل المناسبات. وهي تحتوي أيضا على مضادات للأكسدة، وهي مواد مقاومة للسرطان.
وبالاضافة لأغذية الحب من نبات وحيوان وأسماك وقواقع، فان التوابل لها شهرة كبيرة في عالم أغذية الحب واثارة المشاعر، وأهم هذه التوابل :
الفلفل الأحمر :
يحتوي على كمية عالية من فيتامين ج، وهو عنصر مثير لتحريك الدورة الدموية، كما أن بعض الفلفل الأخضر المكسيكي قد يكون له نفس الصفات.
الكرفس :
يحتوي على فيتامين أ، ج، ب، وفيتامين الجمال (p )، ومعادن وعناصر نادرة. وهو ممتاز للعضلات ولسيولةالدم. كما أنه خافض للكوليسترول ومساعد للأوعية الدموية على مقاومة تأثير التقدم في السن. ولقد خصص الرومان نبات الكرفس لبلوتو اله الخصوبة عرفانا منهم بتأثيره.
القرنفل :
هو واحد من أقوى اغذية الحب الطبيعية. وهو أيضا فعال ضد الضعف النفسي والجسدي، ومقاوم لضعف الذاكرة.
الكزبرة :
بذوره المجففة لها تأثير يزيد النشاط والاحساس بالخفة وخصوصا بالنسبة للسيدات، ولكن يجب استخدامه بكميات قليلة حتي لا ينقلب تأثيره. وفي كتاب ألف ليلة وليلة هناك قصة عن تاجر ظل بدون انجاب لمدة أربعين عاما، وشفي من عقمه بعد تناول وصفة تدخل فيها الكزبرة، كما أن الكزبرة تستعمل كمنشط للشهية.
الزنجبيل :
كان يستعمل في المشروبات التي تثير الحواس. وعندما يتم تناوله في كميات معتدلة يؤدي الى الاحساس بتدفق صحي دافيء، ولكنه قد يؤدي الى تهيج الأمعاء اذا تم تناوله بكميات كبيرة.
الفجل الأحمر :
تحتوي رأس الفجل الأحمر على خصائص مفيدة ومميزة لطعام الحب.
الياسمين الأسباني :
يستخدم لتعطير المشروبات، ولكن يجب الحذر من بذوره حيث أنها تعتبر من السموم.
الخردل :
يساعد على تنشيط الغدد والهورمونات المرتبطة بالحب. والخردل ثلاثة أنواع : الأسود، والأبيض، والأصفر. ولقد كان للخردل الأبيض شهرة واسعة في العصور الوسطى.
المسك :
وهو مادة بنية تستخرج من غدة تحت جلد بطن نوع من الغزلان يعيش في جنوب شرق آسيا. وهو يعتبر عقار متعدد الأغراض، واستعمل في علاج الصرع، والسعال الديكي، و حمى التيفود، والالتهاب الرئوي. والآن يستخدم بصفة رئيسية في اعداد وجبات الحب، ويتم اعداده في صورة مسحوق يرش منه قليلا على الطعام، ولكن يجب الحذر حيث أن الكثير منه قد يسبب الدوار.
جوزة الطيب :
وهذا النوع من التوابل أكثر ارتباطا بالرجل من المرأة، حتي أنه يدعى أفضل صديق للرجل. وهو يأتي من جزيرة باندا في اندونيسيا.
الزعتر البري :
يستعمل بعد النقع، وهو عنصر مثير بطريقة فعالة.
الزعفران :
له خواص موثرة على المناطق المرتبطة بالمشاعر والعواطف والأحاسيس، ودللت بعض الدراسات أن له خواص تشبه الهورمونات، لكن الحذر واجب، اذ أن الكثير منه قد يؤدي الى الضحك بدون القدرة على السيطرة على النفس.
الزعتر :
مقو للاعصاب وله تأثيرات مثيرة. وهو مطهر قوي للجسم.
الفانيليا :
لها تأثير ايجابي على التفكير، وتقاوم الضعف الجنسي، وتؤثر على الجهاز العصبي المركزي، كما تعمل أيضا بطريقة غير مباشرة لزيادة الاثارة العاطفية عن طريق الرائحة.
الينسون :
عرفه الرومان والأغريق، واعتقدوا أن له قوى خاصة، وله تأثير في زيادة الشوق للحبيب، وتأثيرات شبيهة بالهورمونات الأنثوية، ولكن تناول الرجل للقليل منه ينشط هورمونات الذكورة أيضا.
وفي النهاية، نقول أن وجبة طيبة – وان كانت بسيطة – يتم اعدادها بحب ورغبة في ارضاء المحبوب واسعاده، قد تثري مشاعر الحب والشوق بين الطرفين، كما قال المثل المصري الصادق : “بصلة المحب خروف”. لكن كل وجبات الدنيا مهما كان ثراء مكوناتها، وبدون مشاعر دافئة وحقيقية، لن تستطيع أبدا أن تنشئ حبا.