من الذي لا يحب المكرونة ؟ اسباجيتي طويلة مثل الشعر الغجري المجنون تتقلب في الصلصة وتمتصها شفاه الصغار فتسرع الى داخل الفم لا تلوي على شيء، أو يلفها المتحذلقون الكبار حول الشوكة متخذين باطن ملعقة كقاعدة ارتكاز لمحورها تدور بها بروية حتى تحكم خيوطها حولها وسرعان ما تزدردها الأفواه الشرهة فيما تعلن العيون ابتسامة الظفر. أو في الفرن ممتزجة بكريمة "البشاميل" وقد اكتسب وجهها الحمرة والسمرة وسائر ألوان الطيف من الأصفر الى البني الداكن، مخبأة في ثناياها تكتلات من اللحم المفروم، أو مسلوقة في طعام فقير لايملك لها من اضافة سوى عصير الطماطم والزيت لكي تسد الرمق وتبني الأكتاف مثلها مثل العيش الحاف، أو في طبق صاخب يجمعها مع أرز وعدس وبصل محروق وصلصة والاسم "كشري".
بعد فترة طويلة من التعرض للهجوم القاسي، واتهامها أنها سبب للوزن الزائد والسمنة وتراكم الدهون في منطقتي الأرداف والبطن قرر أنصار المكرونة الثورة ضد هذه الاتهامات، والتصدي للدفاع عنها في مؤتمر انعقد في روما عاصمة المكرونة مؤخرا تحت شعار "المكرونة تشن هجوما مضادا".
اشتملت أسلحة أنصار المكرونة على العلم والأبحاث والمحاضرات، وأيضا على أطباق من المكرونة اللذيذة وزعت مجانا على المجتمعين الذين هاجموا النظم الغذائية التي منعت تناول المكرونة مثل النظام الغذائي " أتكينـز" ، الذي وصفوه بالخطورة لاحتوائه على كميات كبيرة من الدهون. وكانت أكثر الكلمات طرافة التي قيلت في المؤتمر تلك التي اعتمد فيها أحد المجتمعين على مقولة النجمة الايطالية الجميلة "صوفيا لورين" : " كل شيء ترونه جميلا في ما يتعلق بي يرجع الفضل فيه الى المكرونة" !
العنوان الرسمي للمؤتمر كان "وجبات المكرونة الصحية"، وجمع المؤتمر عديدا من العلماء البارزين تحت رعاية الحكومة الايطالية، ومعها بالطبع شركات المكرونة، وأيضا الشركة المنتجة لجبنة بارميزان الشهيرة التي تضاف تقليديا الى عديد من أطباق المكرونة الشهية.
من ضمن الحاضرين للمؤتمر كبير طهاة أحد المطاعم الكبرى في نيويورك ويدعي "مايكل رومانو" الذي يرى أن الناس يريدون أن يأكلوا ويأكلوا منذ قيامهم من النوم وحتى عودتهم اليه مرة أخرى، وخلال هذا الوقت لا يقومون بأية تمارين رياضية، فيصابون بالسمنة والوزن الزائد ثم يتهمون أنواعا معينة من الطعام مثل المكرونة والمعجنات. ويذكرهم "رومانو" أن القضية هي توازن في تناول الطعام واستهلاك طاقته في الحركة، وأن الاعتدال في تناول أي نوع من الطعام من حيث الكمية هو الفيصل في زيادة الوزن من عدمه.
وذكر أحد المشاركين في المؤتمر أن الطعام يجب أن يكون متوازنا وغير مثقل بالدهون والبروتينات أو حتى الكربوهيدرات، وأشار الى أن النظام الغذائي لسكان منطقة البحر المتوسط يحتوي عادة على الأسماك والفواكه والخضروات والخبز والأرز والمعجنات ومنها المكرونة، وتعتبر هذه الأغذية عالية القيمة الغذائية وغير ضارة بالصحة. والمعجنات وسيلة جيدة لامداد الجسم بالمكونات المفيدة حيث أن المواد النشوية الموجودة في المكرونة مصنوعة من قمح صلب يتحول ببطء الى الجلوكوز داخل الجسم مما يؤدي الى مستوى مستقر من الانسولين في الدم، مما يجعل متناولها في حالة شعور بالامتلاء لفترة طويلة.
وفي ملاحظات المؤتمر الختامية قرر دكتور "جون فوريت" الأستاذ بكلية الطب في هيوستون أن الايطاليين تمتعوا بالفوائد الصحية للمعجنات لفترة حوالي ألف عام، وأن المكرونة دخلت في النقاش الدائر حول المواد الكربوهيدراتية الجيدة والسيئة بطريق الخطأ ذلك أنها بالقطع تحتوي على مواد كربوهيدراتية جيدة ويجب أن تبرأ ساحتها من الاتهامات على الفور.
وأجمع الحاضرون على أن الأنظمة الغذائية منخفضة النشويات والعالية في المواد الدهنية يمكن أن تؤدي الى انخفاض في الوزن في المدى القصير، ولكنها يمكن أن تصيب من يتبعها بأمراض خطيرة على المدى الطويل مثل أنواع السرطانات المختلفة وأمراض القلب. والحل لهذه المشكلة هو في تناول كثير من الفاكهة والخضروات والحبوب. ولكن هذه المقولة لم تمنعهم من الاعتراف أن اتباع الأنظمة الغذائية المحتوية على اللحوم والبيض والدهون والأجبان وقليل من النشويات يمكن أن يقود الى خفض الوزن بسرعة وبدون تأثيرات صحية ضارة في المدى القصير، على أن تتبع لفترات قصيرة ومحددة يعود بعدها الشخص الى تناول وجبات متوازنة تحتوي على البروتينات والنشويات مع الاكثار من الخضروات والفاكهة والحبوب والأسماك.
تاريخ المكرونة
وللمكرونة تاريخ طويل يحوطه كثير من الغموض، بعض القصص تروي أنه في عام 1274 ميلادية قام الرحالة الايطالي الشهير "ماركو بولو" برحلة استكشافية الى بلاد الشرق الغامضة، وبعد 24 عاما عاد الى فينيسيا بقصص عجيبة عن أماكن مثيرة صارت مصدرا أساسيا للمعلومات عن الشرق خلال عصر النهضة الأوربية. وتقول الأسطورة أن من بين الأشياء العجيبة التي رأها في الصين كانت المكرونة وأنه أدخلها الى أوربا. ولكن هذا الكلام هو مجرد أسطورة فعلا، فالقصة الحقيقية للمكرونة معقدة أكثر من ذلك ومليئة بالتفاصيل.
والمكرونة هي اسم كل المعجنات الجافة التي تطهي في الماء أو المرق، وهي تصنع من القمح الصلب تماما مثل الكوسكوس المعروف في المغرب العربي. وترجع بعض المصادر اختراع المكرونة الى الأتروسكانيين (سكان ايطاليا القدماء قبل الرومان ) كما ترجعها مصادر أخرى الى الصينين واليونانين والرومان وأيضا العرب.
وبالرغم من أن المطبخ الايطالي غني ومتنوع في كل النواحي، الا أن المعجنات هي مجد الايطاليين وفخرهم طوال تاريخهم بلا منازع. وعندما هاجر الايطاليون الى العالم الجديد أخذوا معهم المعجنات وأنواع المكرونة المختلفة حيث أخذت طريقها الى أسلوب حياة كل الناس في كل بلاد الدنيا.
هل اخترع العرب المكرونة ؟
أول اشارة مكتوبة عن طعام يشبه المكرونة ويتم طهيه بالسلق في الماء وردت في مخطوطة القدس المكتوبة باللغة الأرامية في القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت الكلمة المستخدمة هي "اتريا itriyah ". وفي المراجع العربية تعني هذه الكلمة "الشعرية الجافة"، وهي نوع من الطعام القابل للتخزين. ويقال أن المعجنات دخلت الى أوربا خلال الغزو العربي لجزيرة صقلية. وكتب العالم الجغرافي العربي "الادريسي"أن منتجا من الدقيق في شكل حلقات تم ادخاله الى باليرمو عندما كانت تحت حكم العرب. ويعتقد بعض المؤرخين أن كلمة مكرونة استخدمت في صقلية لأنها تعني في لغة أهل البلاد "المصنوعة من العجين بالقوة" حيث أن عجينة المكرونة المصنوعة من القمح الصلب "السيمولينا" معروفة بقسوتها واحتياجها للقوة لعجنها، حتى أنها كانت تعجن بالاقدام وليس بالأيدي لقوتها. واللازانيا المستخدمة في صقلية حتى يومنا هذا يضاف اليها التوابل التي عرفوها منذ أيام الحكم العربي والتي كان يتم جلبها بواسطة التجار العرب.
وتحتوي معجنات الدقيق الأبيض والمكرونة على 23 % من وزنها من المواد النشوية وعلى مؤشر سكري 45، بينما يحتوي الأرز الأبيض على 85 % من المواد النشوية ومؤشره السكري 95، والأرز البسمتي على 23 % من المواد النشوية ومؤشره السكري 50، ودقيق القمح الأبيض 58 مواد نشوية، و مؤشر سكري 85. من هذه المقارنة يتضح أن المكرونة والمعجنات مثل اللازانيا تفوق الأرز والخبز الأبيض في قلة المحتوى من المواد النشوية وتتفوق عليهما في قدرتها على احداث توازن أكبر في سكر الدم نظرا لأن دقيق القمح الصلب المستخدم في صناعة المكرونة يتحلل ببطء الى جلوكوز في جسم الانسان.
وتناول المكرونة باعتدال وبدون اضافات من الدهون لا يضر الصحة ولا يزيد الوزن، فمن المعروف أن 4 ملاعق كبيرة من المكرونة ( ملء كوب ) تحتوي على حوالي 220 سعرا حراريا فقط ولكن نصف هذه الكمية مع الجبن تحتوي على 300 سعر حراري. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن المكرونة قد أصبحت مكونا هاما في واحد من أهم الأغذية الشعبية في مصر وهو الكشري الشهير، ويحتوي الطبق الواحد منه على 840 سعرا حراريا، حيث يتكون من : 6 ملاعق أرز 330 سعرا – مكرونة 4 ملاعق 220 سعرا – عدس 4 ملاعق 235 سعرا – تقلية بصل 55 سعرا.
والمكرونة طعام سهل الاعداد، فهي تسلق في ماء مغلي وتؤكل مسلوقة أو باضافة الصلصة، أو الجبن أو أنواع الكريمة واللحوم بعد اتمام طهيها في الفرن. ويستخدمها مرتحلو الصحراء ورحلات السفاري التي تطول لأيام لسهولة نقلها وتخزينها وطهيها.
والسر في التوافق بين أكل المكرونة والاحتفاظ بالرشاقة في آن واحد هو الاعتدال.. مثله مثل التعامل مع كل أنواع الطعام. فقط نذكر أن تناول السكريات المباشرة والحلويات وكثير من النشويات هو السبب الأول لزيادة الوزن.. لذا اعتدلوا في تناول المكرونة من حيث الكميات والاضافات وعدد مرات تناولها.. واستمتعوا بها وبرشاقتكم يا كل محبي المكرونة في العالم !