المدخن مهموم دائما.. يهرع الى السيجارة عندما يتوتر أو ينزعج لكي يحقق بها هدوء أعصابه ويفرغ فيها توتره.. وعندما يدخن فهو يفكر بانزعاج في صحته التي يدمرها بالتدريج وباطراد.. ولم تقصر الجهات الصحية عن التنبيه الى مخاطر هذا التدخين.. والمدخن يعلمها كلها.. فهي تصيب بالسرطانات المختلفة وأولها الرئة، كما أنها تدمر الأوعية الدموية وتصيبها بتصلب الشرايين وتتطور الى أمراض القلب المختلفة.ويتسبب التدخين أيضا في تدمير الرئة بالأمراض المزمنة.. وجاءت الدراسات الحديثة بأخبار سيئة للمرأة المدخنة فهي تنذرها بتوقف مبكر للدورة الشهرية وحلول قبل الأوان لسن اليأس بسبب تدمير كيماويات الدخان لخلايا المبايض والبويضات بما يستتبع ذلك من عقم وشيخوخة مبكرة..
ويحتار المدخن ماذا يفعل ؟ فهو يريد أن يترك هذا الادمان المزعج، ولكن السيجارة اللعينة تأبى أن تتركه.. تطارده.. وتلح عليه.. فعندما ينخفض مستوى النيكوتين في الدم يشعر المدخن بأعراض انسحاب العقار من دمه.. فيرغب فيه حتى يرفعه الى المستوى المطلوب ليرتاح الى حين..
ويقرر المدخن أن يترك التدخين لكي يحافظ على صحته، ويعطي أطفاله القدوة الصالحة، ويوفر ماله الذي يهدره دخانا في الهواء، ويحافظ على نظافة مكانه وثيابه وأصابعه ورائحة أنفاسه.. وقد ينجح في محاولاته وقد يفشل.. ويكون للفشل أسبابه، فتارة هو يحب التدخين ولا يريد أن يتركه، أو يريد أن يتركه ولكنه يضعف فلا يستطيع، أو قد يتركه لفترة قصيرة ثم يعود اليه، وفي كل الأحوال يريد المدخن المساعدة لكي يترك هذه العادة السيئة والادمان المدمر.
الصدفة تكشف قدرة الوخز بالابر على علاج الادمان
والحقائق العلمية تؤكد أن الوخز بالابر الصينية حقق نجاحا ملحوظا في علاج المدخن الذي يريد ترك التدخين، ولقد استطاع الوخز بالابر علاج ادمان مواد أقوى من النيكوتين وأخطر.. حيث عالج الوخز ادمان المورفين وهو أحد مركبات الأفيون التي تسبب الادمان الشديد لمتعاطيها.. وكان اكتشاف فعالية الوخز بالابر بالمصادفة في أحد مستشفيات مدينة هونج كونج. ففي حالة محددة كان هناك مريض يحتاج الى جراحة عاجلة، ولم يستطع طبيب التخدير استعمال عقاقير التخدير العادية نظرا لأن المريض كان مدمنا للمورفين مما يجعله غير حساس للعقار المخدر الذي يستخدم عادة في تخدير المرضى أثناء العمليات الجراحية، لذا فكر طبيب التخدير في الالتجاء لتخدير المريض باستعمال الوخز بالابر الصينية، حيث يتم ادخال ابر في مناطق محددة في الأذن والجسم بغرض تخدير أماكن بعينها في الجسم. وبعد اجراء العملية بنجاح، ولأن الأطباء المعالجين كانوا يعرفون بادمان المريض للمورفين، ولكي لا يعرقلوا عملية شفائه من آثار العملية الجراحية، فقد قاموا بعرض العقار المخدر عليه حيث أن جسم المدمن يحتاجه لكي يقوم بوظائفه الطبيعية والتي لا يستطيع الجسم القيام بها بدون المخدر الذي تم ادمانه. ولدهشتهم الشديدة فان المريض رفض المخدر قائلا أنه لا يشعر برغبة في تعاطيه، وتكرر الأمر في اليوم التالي، حتى تماثل المريض للشفاء وخرج من المستشفى بدون تعاطي المخدر وقد أظهر شفاء تاما من ادمانه.. وتكررت الحالة مع مريض مدمن آخر بنفس ظروف المريض الأول مما استدعي اهتمام الأطباء الذين انكبوا على دراسة تفاصيل الحالتين، حتى وجدوا أنهم استعملوا في المريضين وخزا بالابر في نقاط معينة مشتركة، وبعد التدقيق أمكنهم معرفة أن هناك نقطة في الأذن تسمى نقطة الرئة هي التي يمكن أن تعالج الادمان، حيث أنها تحفز المخ على افراز مادة الاندورفين الطبيعية التي تشبه تاثير مادة المورفين ولكنها أقوى بآلاف المرات، وهي لا تسبب ادمانا حيث أنها تفرز في الجسم الانساني الذي يتحكم في مستوياتها دون احداث أضرار. وبتكرار وخز هذه النقطة في حالات مشابهة كثيرة أمكن الحصول على نتائج مشابهة مما أكد فاعلية هذا النوع من العلاج بطريقة علمية منهجية.
الأذن تلخص الجسم كله
والأذن في طب الوخز بالابر تمثل جنينا مقلوبا تكون شحمة الأذن فيه هي الرأس بينما يكون صوان الأذن هو باقي الجسم متكورا على نفسه آخذا صورة الجنين في بطن الأم، ويكون الخط الخارجي للأذن ممثلا للظهر، بينما تمثل باقي أجزاء الأذن أعضاء الجسم المختلفة بما يقابلها. وطب الوخز بالابر الصينية في الأذن، أو ما يسمى اختصارا “طب الأذن” – وهو غير طب الأنف والأذن والحنجرة بالطبع – يعالج أمراض الجسم المختلفة عن طريق نقاط في الأذن يصل مجملها الى حوالي 108 نقطة تتوزع على مساحة الأذن بالتساوي وذلك عن طريق تنشيطها المباشر للأعضاء الممثلة لها أو عن طريق تنشيط مسارات الطاقة المختلفة، وعلاقة النقاط ببعضها يشبه علاقة أعضاء الجسم ببعضها، فمثلا نقطة القلب تقع في وسط نقطتي الرئتين، وهو ما يمثل وقوع القلب الحقيقي بين رئتي الانسان، كما أن نقطة علاج القولون تقع بعد نقطة الأمعاء الدقيقة وعلى مقربة من نقطة المعدة بالطبع. وهناك نوع آخر من الابر المستخدمة في وخز الآذان يختلف عن الابر المستخدمة في وخز الجسم، فهي أصغر في الحجم ولا يزيد طولها عن ملييمتر واحد وتنتهي بحلقة تستقر على جلد الأذن بينما يغوص السن المدبب للابرة في جلد الأذن، ثم يتم تغطية الحلقة الظاهرة من الابرة بقطعة صغيرة من البلاستر ويمكن أن تظل في مكانها لفترة تصل الى أسبوع، وهذا ما يعطي هذه الابرة اسمها المميز وهو “الابرة شبه الدائمة” تمييزا لها عن ابر الجسم التقليدية التي يصل طولها من 3 الى 10 سنتيمترات، وتغرز في الجسم لفترة محددة تصل الى 20 دقيقة فقط في الجلسة. ويتم تجهيز جلد الأذن وتطهيره قبل استعمال الابر ذات الاستعمال الواحد حتى لا تحدث التهابات. و مؤخرا أصبح من الممكن الاستعاضة عن الابر باستخدام شعاع الليزر منخفض الطاقة للاشعة تحت الحمراء في تنشيط نقاط العلاج في الأذن وأيضا في باقي نقاط العلاج بالوخز بالابر في الجسم كله. وفي الصين طور أطباء الوخز طريقة العلاج باستخدام بذور من نباتات معينة تمتاز بصغر حجمها الذي لا يتعدى المليمتر الواحد، ثم توضع هذه البذور وتغطي بالبلاستر ويتم الضغط عليها عدة مرات يوميا حتى يحصل المريض على نفس التأثير الذي تقوم به الابر. ويعتبر استخدام الليزر والبذور حلا لمشكلة المريض المتوتر الذي يخاف من وخز الابرة، كما أنه حل مناسب للأطفال الذين قد لا يحتملون وخز الابر على بساطتها.
وتسجل المراجع العالمية أن من أوائل الذين استخدموا وخز الأذن في العلاج هم المصريون القدماء منذ العام 2000 قبل الميلاد، اذ وثقت لهم علاج بعض حالات العقم عن طريق نقاط في الأذن، ومن الطريف أن نفس هذه النقاط تستعمل حاليا في علاج نفس الحالات. كما أن الصينيون استخدموا هذه الطريقة في العلاج أيضا، وان كان العالم ينسب اليهم فضل الريادة في هذا الفرع من الطب بعد أن اهتموا به بتركيز شديد أيام الثورة الثقافية، ثم كانت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون الي الصين واستعمال الوخز بالابر في علاج بعض مرافقيه مما أدى الى القاء الضوء على العلاج بالوخز بالابر عامة ومن ثم اهتمام الغرب والعالم كله به، وبداية تكثيف الدراسات والابحاث على امكانيات هذه الطريقة الفريدة في العلاج والتي تتعامل مع قوى الطاقة الداخلية للجسم دون اللجوء الى كيماويات قد تضر أكثر مما تنفع.
علاج التدخين في عيادتنا بالليزر
وفي عيادتنا، نستخدم الليزر في علاج التدخين، مع الاستعانة بالابر شبه الدائمة. فتسليط الليزر على نقطة الرئة يؤدي الى حفز افراز مادة الاندورفين الطبيعية التي تقاوم ادمان كل العقاقير بما فيها النيكونين، كما يتم استثارة نقطة النيكوتين التي توجد خارج الأذن، بالاضافة الى نقطة تسمى بوابة الروح، وهذه تساعد في هدوء الحالة النفسية التي قد تتوتر مع الانقطاع عن تدخين. ويتم أيضا تنشيط بعض النقاط العامة في الذراعين والوجه في سبيل علاج ادمان التدخين. ونسبة النجاح في التوقف عن التدخين بعد جلسة علاج واحدة تصل الى 80%، و النسبة الباقية تستجيب لجلسة أخري بعد حوالي أسبوع، و تصل النسبة النهائية الى ما يقرب من 95% بشرط أن يكون الشخص راغبا فعلا في التوقف عن التدخين، حيث يقدر الخبراء رغبة الشخص في التوقف عن التدخين بأربعين بالمائة فيما يمده العلاج بالليزر بالستين بالمائة الباقية.
ويقول معظم الأشخاص الذين عولجوا بالليزر للامتناع عن التدخين أن الرغبة في التدخين تقل وقد تزول تماما، ولا يشعر المرء بالمشاعر الانسحابية للنيكوتين. ويقول البعض الآخر أنه يشعر بطعم غريب غير مستحب للسيجارة تجعله يرفضها تماما. وسجل بعض المدخنين أنهم شعروا بالرغبة في القيء عندما حاولوا التدخين بعد العلاج .
وهكذا أصبح من السهل على المدخن أن يتوقف عن التدخين وينجو بنفسه من المخاطر الصحية التي تهدد حياته ونشاطه، فقط عليه أن يقرر وأن يخلص النية في الامتناع عن هذا الادمان المدمر، ويترك الباقي على الليزر، وهو العلاج الذي أثبت نجاحا مؤكدا في هذا الشأن.