دخلت غرفة النوم واستلقت على الفراش وهي تشعر بالقلق من تكرار التجربة ذاتها .. تحاول أن تنام فتفشل ، وتظل عيناها مفتوحتان وعقلها يغلي بالأفكار . وعندما تنجح في الوصول الى النوم المستحيل تستيقظ فجأة لكي تجد أفكارها تصارعها وتمنعها من النعاس المريح .. وأخيرا وفي الصباح الباكر تغفو قليلا لكي تستيقظ وهي تشعر بالتعب وعدم الراحة .
p>النوم مهم جدا للصحة الجيدة ، تماما مثل الطعام والرياضة . فمن خلاله يسترد الجسد عافيته وتتاح له الفرصة لاصلاح أي ضرر يلحق به خلال اليوم . ولكن الكثيرون يعانون من عدم القدرة على النوم الطبيعي خلال الليل . فقد ننشغل بالعمل عن النوم ، أو قد نستغرق في التفكير قبل النوم مما يذهب النوم من العيون ، وقد نستيقظ في منتصف الليل ولا نستطيع العودة الى النوم مرة أخرى .
والأرق هو صعوبة الدخول في النوم أو الاستغراق فيه خلال الليل . وهو حالة شائعة يعاني منها حوالى 10 % من الناس كأرق مزمن ، كما يعاني منها 50 % من الناس في وقت ما من حياتهم . ويمكن ارجاع الأرق الى عديد من العوامل الجسدية والذهنية والسلوكية وأيضا البيئية .
أسباب الأرق
قد يكون الاحساس بالآلام الجسدية هو السبب في صعوبة الدخول في النوم ، كما يمكن أن تكون حالة مرضية تتسبب في صعوبة التنفس هي السبب . ولكن يمكن أيضا أن يكون السبب هو تناول أدوية منشطة قبل النوم ، أو التوقف عن أدوية اعتاد الشخص تناولها لمساعدته على النوم ، وأيضا عدم انتظام مواعيد النوم ، والاضطرابات الشعورية مثل القلق والخوف والاكتئاب وغير ذلك من الحالات النفسية ، كما يمكن أن يكون السبب هو توقف التنفس خلال النوم . أما صعوبة الاستغراق في النوم فهي الاستيقاظ بعد النوم مع صعوبة العودة الى النوم مرة أخرى أو الدخول الى حالة من النوم غير المريح والمتقطع . ومع التقدم في العمر فان اجمالي وقت النوم يقل ويصبح النوم مضطربا ، وقد تقل فترة مرحلة النوم العميق (المرحلة الرابعة ) ، ويستيقظ الشخص مبكرا جدا أو قد يعاني من النوم المتقطع . وقد ترتبط حالتي الأرق ( صعوبة الدخول في النوم ، وصعوبة الاستغراق فيه ) بالاكتئاب .
ويلاحظ أن الميل الى القلق وتأنيب النفس وعقابها وغير ذلك من الأفكار السلبية غالبا ما يتضخم في الصباح وقد يتسبب في حالات الأرق في الصباح المبكر مما يسبب الاستيقاط حوالي الساعة الثالثة والخامسة صباحا بدون ادراك السبب . كما أن تغيير ساعات النوم كما في حالات السفر الى أمريكا أو الشرق الأقصي قد يؤدي الى ارباك الساعة البيولوجية للانسان مما يؤدي الى الاصابة بالأرق ، وتحدث هذه الحالة أيضا في بعض حالات اصابات الرأس . واستعمال المسكنات بدون مبرر أو العمل في نوبات ليلية غير منتظمة يمكن أن يؤدي الى هذا الارباك أيضا . وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس خلال الليل ومن ثم الأرق قد يعانون أيضا من النعاس في الصباح مما يؤدي الى استغراقهم في النوم في نوبات متقطعة حتى وهم جلوس ، فيما يعانون من عدم القدرة على النوم في الليل . وهناك حالة معينة تحدث بعد تناول أقراص للنوم بجرعات كبيرة ولفترة طويلة ثم التوقف عنها حيث يشعر الانسان بعدم الرغبة في النوم ، وهذه تفسر خطأ بعودة حالة الأرق المزمنة ، بينما هي ردة فعل لتوقف الأقراص المنومة.
تشخيص الأرق
يقوم الطبيب بتقييم الحالة ومعرفة ما اذا كان المريض يتناول أي من المواد المؤثرة في النوم مثل المشروبات الكحولية أو الكافيين أو النيكوتين أو أي عقاقير مخدرة ، وأي أنواع أخرى من الأدوية التي يتعامل معها المريض ، كما يتعرف على الضغوط النفسية التي يتعرض لها ، ومواقيت عمله وسفره ومستوى نشاطه الجسدي . ويقوم الطبيب بفحص طبي شامل كما قد يجري بعض التحاليل من أجل الوصول الى تقييم شامل للحالة الطبية للمريض . والأدوية التي تتدخل في حالة الأرق هي حبوب منع الحمل ، وأدوية الغدة الدرقية ومثبطات بيتا المستخدمة في علاج بعض حالات ضغظ الدم المرتفع والنيكوتين . كما أن التغيرات في مستويات هرمونات الأنوثة والذكورة يمكن أن تؤثر في النوم أيضا ، والسيدات اللاتي يتعاطين دواء تاموكسيفين لعلاج سرطان الثدي قد يعانون من أرق شديد ، وهؤلاء يجب ألا يتناولن الأعشاب أو المكملات ذات التأثير الأستروجيني لأنه يتدخل في علاج السرطان .
العلاج الطبيعي للأرق
الأدوية المنومة والمهدئة يمكن أن تستخدم في علاج الأرق ولكن مشكلتها هي في اعتياد المريض عليها ، بل وادمانهنا في بعض الأحيان ، كما قد توصف مضادات الاكتئاب لعلاج حالات الأرق . ولكن تنظيم الغذاء يمكن أن يساهم بفاعلية في علاج الأرق ، فمثلا يجب الامتناع عن الكافيين الموجود في القهوة وهو يسبب الأرق وعدم الراحة في كثير من الأحيان ، كما أن الشاي وأيضا المشروبات الغازية تحتوي على الكافيين ، ومثلها أدوية السعال والبرد والشوكولاتة .
ويجب تجنب السكر الذي يعطي مزيدا من الطاقة قصيرة الأجل مما يربك مستويات السكر في الدم ويؤدي الى اضطراب النوم في منتصف الليل حيث ينخفض مستوى السكر في الدم فيوقظ المريض . وينصح المصاب بالأرق بتناول أغذية غنية بمادة التربتوفان وهي حمض أميني يعتبر مكونا أوليا لمادة السيروتونين التي تنقلب بدورها الى مادة الميلاتونين الذي يساعد على الاستغراق في النوم . وتوجد مادة التربتوفان بصورة طبيعية في لحم الديك الرومي وغيره من اللحوم المختلفة ، واللبن والجبن والموز وبذور القرع العسلي والبقول . كما ينصح بتناول أغذية غنية بالمغنسيوم وهو مهدئ طبيعي ، الذي يسبب نقصه صعوبة النوم والامساك ورعشة العضلات وتقلصها ، كما يسبب القلق والاحساس بالضيق والألم . والأغذية الغنية بالمغنسيوم هي الردة المستخلصة من القمح ، واللوز والكاشو والعسل والخميرة . والكالسيوم أيضا مثل المغنسيوم يعتبر من المهدئات ، وجرعة من الكالسيوم في حدود 600 مج مع 250-500 مج من المغنسيوم يشكلان علاجا نموذجيا اذا تم تناولهما في المساء . وتعتبر الفيتامينات المتعددة المحتوية على معادن أيضا علاجا جيدا لحالات الأرق ، كما أن فيتامين ب 6 يكون مطلوبا لتحول الحمض الأميني تربتوفان الى مادة السيروتونين التي تساعد على النوم ، ومصادر فيتامين ب في الطبيعة هي الكبد والحبوب الكاملة وسمك التونا وجنين القمح والعسل والموز وبذور عباد الشمس . ونقص الحديد يمكن أن يرتبط بآلام الساقين مما يسبب عدم النوم ، كما أن الكروميوم يتدخل في عميلة تمثيل الانسولين في الحالات التي ييستيقظ فيها المريض ليلا نظرا لاضطراب مستويات السكر في الدم .
الميلاتونين
وهو هورمون ينتج بصورة طبيعية في الجسم بواسطة الغدة الصنوبرية في المخ التي تنتج السيروتونين الذي يتحول بدوره الى الميلاتونين عندما يحل الظلام . والميلاتونين يمكن أن يساعد على الدخول في النوم عند اضطراب مواقيت النوم مثل حالات السفر الى أماكن بعيدة ينقلب فيها وقت الليل والنهار عنهما في البلاد التي يجيء منها المسافر كما في حالة السفر من مصر الى أمريكا أو الشرق الأقصى . وأثبتت الدراسات أن الذين يتناولون الميلاتونين ينامون بصورة أفضل ويستغرقون وقتا أقل حتى يستغرقوا في النوم، كما يشعرون بالطاقة والقوة بصورة أحسن عندما يستيقظون من النوم . ويمكن استخدام الميلاتونين في ضبط أوقات نوم العاملين الذين يغيرون ورديات العمل بين النهار والليل ، ويجب تناول الميلاتونين قبل النوم بنصف ساعة مع اظلام الغرفة ، ولكن يجب عدم تعاطيه في حالات الاكتئاب وانفصام الشخصية وأمراض المناعة الذاتية وبعض الأمراض الخطيرة الأخرى .
التمرينات الرياضية
ان نقص التمرينات قد يساهم في حالة عدم القدرة على النوم الجيد ، فتوتر العضلات والضغوط تتراكم في الجسم مما يؤدي الى الأرق . والتمرينات في فترة بعد الظهر أو في المساء يمكن أن تساعد على النوم في الليل ، ولكن التمرينات في الساعات المتأخرة من المساء يمكن أن يزيد من مستويات الأدرينالين مما يقود الى الأرق . ومراعاة بعض الأمور في أسلوب الحياة قد تساعد على النوم الجيد ، فالنوم يجب أن يكون في غرفة مظلمة حيث أن انتاج الميلاتونين في الجسم يقل مع البقاء في الضوء ، كما ان الاظلام الكامل للغرفة يساعد على انتاج ميلاتونين بصورة أكبر منها في الغرفة المظلمة جزئيا . وقد لوحظ أن أسلوب التأمل الهاديء وبعض تمرينات اليوجا يمكن أن تساعد على الدخول في النوم الهاديء .
ترتيب الأثاث في الغرفة
وهذه فكرة تأتي من الفلسفة الصينية ، حيث يعتبر الفكر الصيني أن ترتيب الأثاث في الغرفة يمكن أن يساعد على استعادة النوم الهنيء ، فترتيب الأثاث في المنازل والمكاتب يمكن أن يؤدي الى تزايد الطاقة الجيدة في المكان مما يؤدي الى الاحساس بالصحة والحيوية والهدوء . وهذه هي بعض النقاط التي تنصح بها طريقة “فنج شويFeng shui” لترتيب الأثاث :
- لا تضع السرير في ركن الغرفة لأن الأركان تحتوي على طاقة راكدة .
- لا تضع السرير بجوار النافذة ، حيث أن الطاقة يمكن أن تهرب منها .
- عندما تكون راقدا في الفراش يجب أن تكون قادرا على رؤية أي شخص يدخل الى الغرفة .
- تجنب مواجهة الحواف الحادة للأثاث مثل المكاتب والأرفف وغيرها .
- وهكذا فان الأرق هو حالة تنتاب نسبة كبيرة من البشر في وقت ما من أوقات حياتهم ، وقبل اللجوء الى المنومات والأدوية يجب استعمال هذه الطرق الطبيعية في العلاج ، فقد تنجح هذه الوسائل في علاج الأرق بدون الدخول الى متاهة العلاج بالعقاقير .