عجيب أمر هذا الزمان .. لا يجعل الراكب راكبا ولا الماشي ماشيا .. أين هذا الزمان من زمن مضى كانت الغلبة فيه للمرأة الممتلئة البضة الجميلة .. التي رسمها كبار الفنانين فأبدعوا وخلدوا .. زمن كتب فيه الشاعر يمدح حبيبته فوصف دخولها الى الخيمة على يومين متتالين .. يوم يدخل فيه نصفها الأعلى .. ويوم لدخول نصفها الأثقل أقصد الأسفل .. الآن تغير الحال .. وأصبحت الموديل النحيفة لدرجة ظهور عظمها تحت جلدها هي رمز الجمال .. وانهارت دولة الحسن السمين .. وانهارت معها نفسيات كل من أطاعت نفسها وشهيتها واستجابت للاعلانات التي تحاصرها وتغريها بالأكل والشرب والقرمشة والقزقزة والفرفشة .. تغيرت قيم الجمال .. وانزوت السمينات وزائدات الوزن هربا من نظرات التأنيب والسخرية لمن ليست في قوام نانسي عجرم وروبي .. حتى أن بعض السمينات أصبحن يشعرن بتأنيب ضمير واحساس بالذنب وجلد الذات بل وكراهية النفس..
وهكذا تعيش البدينة اجباريا مع جسد تكرهه .. هو السبب في تباعد الناس عنها وسخريتهم منها .. وقد يكون هو السبب في عدم نجاحها في الارتباط والزواج وتكوين أسرة .. أو في ابتعاد زوجها عنها اذا كانت متزوجة بالفعل .. أو عدم ترقيتها في العمل .. أو حتى عدم فوزها بالوظيفة من الأساس .. تنظر الى نفسها في المرآة وتشعر بالضيق من جسدها .. وحتى عندما تفكر في العلاج من السمنة فانها تفعل ذلك من منطلق الكراهية والرغبة في التخلص من ذلك الجسد .
تذهب البدينة الى الطبيب وتقدم نفسها له وهي تسخر منها ومن جسدها في ميكانيكية دفاعية قبل أن يبدأ الآخر – الطبيب – في السخرية .. يسألها الطبيب عن سبب الزيارة .. فترد ساخرة :”ما انت شايف .. دبدوبة التخينة قدامك أهه” .. بعد مناقشة مفصلة لمعرفة تاريخ الحالة السابق واللاحق يبدأ الطبيب في الكشف الطبي ومعرفة الطول والوزن .. تحذره السيدة : “بلاش الميزان وحياتك .. ها يتكسر ستين حتة .. أنا مليون كيلو” .. سخرية دفاعية مسبقة مرة أخرى .. تحكي المريضة .. تبكي .. تنهار .. تلوم زوجها .. تلوم طفولتها .. تلوم ظروف عملها والأكل خارج المنزل .. تلوم أطفالها المقرفين الذين لا يذاكرون ولا يأكلون فتصرخ طول النهار في وجوههم ولا تجد عزاء الا في الأكل .. وقد تلوم نفسها .. وتزيد في الايلام .. ” قطعنى يا دكتور .. شيل من جسمى بالكيلو .. عاوزة أنزل عشرين كيلو مرة واحدة .. خلصني من تخنى يادكتور .. ينفع شفط الدهون ؟.. اديني ريجيم ماكولش خالص .. ومستعدة أستحمل .. اديني دوا يسد نفسي “.. ثم نوبة بكاء طويلة ..
تصبح مثل هذه الانسانة في موقف صعب للغاية .. كيانين يكره كل منهما الآخر يعيشان في حيز ضيق واحد .. واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد .. والنفوس تبحث عن الرشاقة والجمال .. والجسد السمين يلهث تعبا وزهقا مما تريده منه النفس .. محروم من الحلويات .. محروم من النشويات .. حتى الشوكولاتة الجميلة محروم منها .. محروم من الميراث أيها الجسد .. يثور الجسد ويرد على النفس .. انتى ها تقرفيني ليه .. هو أحنا ها نعيش كام مرة ؟ هو الحياة فيها ايه غير أكل وشرب .. اليوم نأكل ونشرب فغدا نموت ..
علاج هذه الحالة لا يكون سوى بالحب .. حب النفس للجسد .. وعدم وجود أي تناقض أو صراع أو كراهية .. وهنا يكمن دور الطب الشمولي في العلاج . من المهم أن تبحث البدينة عن العلاج وهي تشعر بالحب لجسدها .. هى تريد أن تفقد وزنا لكي يتمتع جسدها بالصحة والعافية فتستريح النفس وتشعر بالرضا . ويجب أن تشعر البدينة بحبها لجسدها وأن تثق بنفسها وأن تعلم أنها تستطيع أن تعيش بنفس منتعشة وجسد رشيق صحيح ..
والواقع أن الطبيب الذي يعالج السمنة لن يسخر اطلاقا من مرضاه ، وهو يدرك تماما هذه العلاقة المتناقضة بين النفس والجسد ، لذا فليس غريبا أن العلاج بالوخز بالابر في منطقة الأذن لعلاج السمنة يستعمل بعض النقاط المشتركة التي تعالج الاكتئاب أيضا. حيث أن الأبحاث أثبتت بالفعل أن المادة الكيماوية التي تعمل في المخ والمسماة “سيروتونين” تنخفض في حالتي الاكتئاب والسمنة .. وفي دراسة مفصلة أثبت أحد الباحثين أن نقصان هذه المادة في فئران التجارب يقود الى السمنة ، وعند رفعها للمعدل الطبيعي تعود الفئران الى أوزان طبيعية . كما أن النساء الذي ينقضون على الأكل ليلا في شراهة ونهم يكونون عادة من المصابات بالاكتئاب الراغبات في رفع مستويات السيروتونين في أجسادهم عن طريق تناول أغذية غنية بمادة التربتوفان ، حتى يحول الجسم مادة السيروتونين الى هورمون الميلاتونين الذي يساعدهم على العودة للنوم مرة أخرى ..
اذن فالحل يكمن في تصالح النفس والجسد .. ومن هنا يبدأ الجسد في العمل مع النفس لتحقيق الهدف المشترك .. الرشاقة والرضا .. وتأثير الحالة النفسية في الجهاز العصبي اللامركزي مؤكد علميا ، وعندما تثور النفس تتأثر الغدد الصماء فتختل نسب الهورمونات ويسقط الجسد فريسة للنفس واضطرابها . الحل يبدأ من النفس وصولا الى تنظيم هورمونات الجسم .. وهذه ليست مشكلة عويصة بمساعدة الطبيب الذي يساعد البدينة نفسيا وبدنيا لكي تحقق المعادلة ..
ولكن من ناحية أخرى ، ما هي الأخطاء التي نرتكبها في حق هورموناتنا عندما نأكل ونشرب حتي تقودنا الى البدانة والمرض ؟ في نظرة محددة وبسيطة نعرف أن كل جهاز في الدنيا له مصدر طاقة محدد .. يعمل التليفزيون على كهرباء بجهد محدد .. كما تعمل التليفونات المحمولة وتستمد طاقتها من أنواع مختلفة من البطاريات . وعندما خلق الله المخلوقات من نبات وحيوان وبشر وضع لكل نوع الغذاء الذي يمده بالطاقة بما يتفق مع قدرة الأعضاء على التعامل مع هذا الغذاء هضما وامتصاصا ، بغرض ابقاء المخلوق على قيد الحياة .. ولقد التزمت مخلوقات الله بما قسمه الله لها .. وحتى الآن تأكل الأسود اللحوم ولا تأكل الفتة ولا يغريها الجاتوه .. كما تأكل الغزلان الحشائش والأوراق الخضراء ولا تأكل العصافير أو الأرانب .. وهكذا لا تجد أسدا سمينا أو غزالا بدينا .. وفي حالة الانسان نجد أن الله قسم له أن يأكل الخضروات والفاكهة واللحوم .. ولم يخلق له السكر المكرر الأبيض في أكياس على الشجر .. كما لم يضع أمامه أرغفة خبز تنبت من الأرض مباشرة .. كانت عظمة الخالق تقتضي أن يحصل الانسان على الطاقة من مصادرها الغذائية الطبيعية .. وهذه تأخذ وقتا للهضم والامتصاص بما يتفق وطبيعة الأعضاء في جسم الانسان .. خذ عندك مثلا .. البنكرياس الذي يفرز الانسولين اللازم لعملية التمثيل الغذائي للنشويات والسكريات من حرق وامتصاص وتخزين .. هذا البنكرياس عضو بطيء بما يتفق مع الطبيعة المعقدة للنشويات والسكريات في الطبيعة .. ولكن السكر الأبيض والنشويات النقية تصيب البنكرياس بالارتباك .. فيندفع الى افراز انسولين بكمية كبيرة غير محسوبة ، تقضي على كل كميات السكر الموجودة في الدم ، فينخفض معدل السكر بسرعة كبيرة .. وتكون النتيجة أن يشعر الانسان بالجوع الشديد .. فيأكل أي شيء أمامه .. وتكون النتيجة الحتمية .. السمنة ..
ماذا لو تعاملنا مع البنكرياس حسب طبيعته البطيئة ؟ .. يكون ذلك عن طريق الابتعاد تماما .. نعم تماما .. عن السكر الأبيض النقي وكل ما يدخل في صناعته من حلويات .. والتقليل من الخبز الأبيض الذي يحتوي على كثير من النشاء أكثر مما وضعته الطبيعة بنسب سليمة في حبة القمح .. واستبداله بالخبز الأسمر أو المصنوع من دقيق القمح الكامل .. ثم أكل الكثير من الخضروات .. وتناول الفاكهة .. على أن تكون بمفردها أو قبل تناول الطعام ومحددة بكميات .. ذلك لأن الفاكهة تنشط افراز الانسولين الذي يعتبر هورمون التخزين الأول الذي يقود كل نواتج الهضم الموجودة في الدم الى ما تحت الجلد..
هورمون الانسولين هذا هو المشاغب الأول وقائد مظاهرة الهورمونات التي تصيب الجسد بالارتباك .. فبالاضافة للسمنة .. ترتبك باقي هورمونات الجسم نتيجة ارتفاع مستوى هورمون الانسولين .. فتزيد أيضا الهورمونات التي تفرزها المبايض .. وتكون النتيجة ارتباك الدورة الشهرية .. وقد تصل الأمور الى حد الاصابة بالعقم وعدم الانجاب ، وهي حالة يمكن علاجها بخفض الوزن وبالتالي خفض هورمون الانسولين ثم ضبط مستوى بقية الهورمونات .. كما قد تعاني الفتاة أيضا من ظهور الشعر في مناطق غير مرغوب فيها مثل الوجه مما يسبب لها كثير من المشاكل والقلق ..
وكما يؤثر الانسولين في الاصابة بالسمنة ، فان السمنة تؤثر على الانسولين أيضا .. اذ تقل حساسية الأنسجية الدهنية للانسولين مما يدعو البنكرياس الى افراز المزيد .. وتكون الدائرة المفرغة أن هذا الانسولين الزائد يحرق مزيدا من سكر الدم فيشعر الانسان بالجوع فيأكل أكثر .. وهكذا يكون الانسان السمين نهم وشره باستمرار مما يزيد من بدانته .
الانسولين اذن هو المفتاح .. والسيطرة عليه سهلة .. امتنعي عن السكريات والنشويات .. وعودي الى ما قسمه الله للانسان .. الخضروات والبروتينات من لحم وطيور وأسماك ، والفواكه .. وفي حالة أكل الخبز يفضل الخبز الكامل أو الأسمر .. كما يفضل أكل البطاطس بقشرها بعد شيها في الفرن أو بعد السلق بدون اضافات .. يعنى العودة للطبيعة ..
تلك هي بعض الأفكار التي سوف تساعدك بصورة مؤكدة في العودة بجسمك الى ما تحبين ، وبنفسك الى ما ترضين .. وقديما قالوا “من أحب نفسه كرهه الناس” .. ولكننا نقول .. من أحب نفسه وتعامل مع جسده وحياته بالرعاية والاهتمام اللازمين للحصول على الصحة والعافية ، فان الناس سوف تحبه .. الزوج .. الأصدقاء .. المجتمع .. ذلك أن الجسم السليم والصحيح ينعكس على نفسية راضية حلوة تشع بالحنان والأمل والاشراق والسعادة على الجميع .